المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / هل تستعد أوروبا فعلاً للحرب؟ 

هل تستعد أوروبا فعلاً للحرب؟ 

هل تستعد أوروبا فعلاً للحرب؟ 

ابوبكر باذيب

بين التصريحات العسكرية المتصاعدة ومبادرات السلام المتعثّرة

شهدت أوروبا خلال الشهور الماضية تصاعدًا غير مسبوق في الخطاب العسكري، سواء من رؤساء الدول أو من وزراء الدفاع أو من رؤساء الأركان، في دول مثل هولندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبولندا. هذه التصريحات لم تعد مجرد تحذيرات دبلوماسية، بل تحولت إلى دعوات صريحة لرفع الإنفاق العسكري، وتحديث الجيوش، والاستعداد لسيناريوهات مواجهة مباشرة مع روسيا. وفي المقابل، يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق رسائل تحمل لهجة الصدام احيانا وتصريحات تسعى للتهدئة احيانا اخرى، ما يثير التساؤل: هل نحن أمام استعداد حقيقي لحرب محتملة، أم مجرد لغة ردعية متبادلة؟

من الواضح أن ما يجري لم يعد مجرد “خطاب سياسي”. بل تجاوز ذلك ليصبح واقعاً من التهيئة القومية لمسار حرب وارد حدوثه فعليا، ألمانيا، على سبيل المثال، شرعت في أكبر برنامج إعادة تسليح منذ الحرب الباردة، وعملت على تعديل دستوري يسمح لها بالانفاق العسكري المطلق، بينما تؤكد بريطانيا ضرورة جاهزية المجتمع للحرب، وفرنسا تعلن صراحة أن “زمن السذاجة انتهى”، أما هولندا فتتحدث عن ضرورة تعبئة وطنية دفاعية لمواجهة مخاطر غير مسبوقة. هذه التحركات تشير إلى إدراك أوروبي بأن النظام الأمني الذي بني بعد الحرب الباردة لم يعد قادرًا على ردع روسيا أو حماية القارة.

لكن ما هي الحرب التي تُستعد لها أوروبا؟ ليست حربًا تقليدية على غرار الحربين العالميتين، بل حرب هجينة تجمع بين الهجمات السيبرانية، والعمليات المحدودة على الحدود الشرقية، ومحاولات زعزعة الاستقرار السياسي، وربما اشتباكات عسكرية أوسع في حال توسعت الحرب الأوكرانية. أوروبا تدرك أن أي انهيار أوكراني سيجعل خطوط التماس أقرب إلى حدود الناتو، ولهذا تتحرك سريعًا لرفع الجاهزية العسكرية قبل فوات الأوان.

مع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: لماذا يجري كل هذا بالتزامن مع الحديث عن مبادرات سلام، وسعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إنهاء الحرب الأوكرانية، ومحاولات حثيثة لبناء مقاربات للسلام والتهدئة؟ في المقابل، يرى الأوروبيون أن هذه المبادرات قد تعني في الواقع فرض اتفاق مُجحِف على كييف، والتنازل عن أجزاء من أوكرانيا لروسيا مقابل وقفٍ لإطلاق النار. وهذا السيناريو يُخيف الأوروبيين لأنه قد يشجع موسكو على مزيد من التوسع.

لهذا، تبدو أوروبا اليوم بين طريقين: الاستعداد للحرب إذا فشل الردع، و الحفاظ على السلام إذا نضجت الظروف الدبلوماسية. وبين هذين المسارين، تظل القارة تعيش أخطر مرحلة استراتيجية منذ أكثر من نصف قرن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *