رسالة مفتوحة إلى إيلون ماسك: عن الإنسانية، العنصرية، ورحلتك من جنوب إفريقيا إلى قمة العالم

السيد إيلون ماسك،
لطالما كنت رمزًا للابتكار وصاحب رؤية طموحة، لكن وراء قصص النجاح الكبيرة تتوارى أحيانًا تفاصيل مُقلقة. أود في هذه الرسالة أن أذكرك بجذورك، فقد ولدت في جنوب إفريقيا، في زمنٍ كان فيه نظام الفصل العنصري يهيمن على كل جوانب الحياة. عاصرت حقبةً مشحونة بالكراهية والتمييز، لكنك شهدت أيضًا كيف استطاع المجتمع المضطهد النهوض من تحت أنقاض الظلم، وكيف كان التسامح والمصالحة أدوات لإعادة بناء الأمة.
بعد أن حصلت الأغلبية المظلومة في جنوب إفريقيا على حريتها، كان تعاملها مع النظام العنصري وبقاياه يتسم بالإنسانية. عملوا على تحقيق العدالة الانتقالية وإرساء التسامح دون السعي للانتقام أو تمزيق المجتمع. هذا الدرس، الذي عشْته في طفولتك، يبدو أنه لم يرافقك في رحلتك الطويلة.
من جنوب إفريقيا إلى العالم: هل نسيت درس التنوع؟
انتقلتَ إلى كندا، ذلك البلد الذي يُجسّد قيم التنوع والتسامح. هناك، في مجتمعٍ متنوع الثقافات والأعراق، وجدت بيئةً حاضنة لطموحك. درستَ في جامعات ضمّت طلابًا وأساتذة من مختلف الخلفيات، تعاونوا معك وساهموا في تكوين شخصيتك الأكاديمية. لكن يبدو أن إسهاماتهم أصبحت مجرد ظلال في روايتك الذاتية.
ثم جاءت الولايات المتحدة، بلد الفرص. هناك، استفدتَ من مناخٍ يُعزز الابتكار ويحترم التنوع. عملتَ مع أشخاص من مختلف الجنسيات والخلفيات، لكنك -بغرابة- اخترتَ لاحقًا أن تُقلل من شأن مساهماتهم. ما زالت رواياتك عن تعلم البرمجة ذاتيًا في سن العاشرة، دون الإشارة إلى المعلمين والمرشدين، تُثير تساؤلات حول شفافيتك.
تسلا والذكاء الاصطناعي: الطموح على حساب الشركاء
من الواضح أنك تمتلك عقلًا طموحًا وشجاعة استثنائية. لكن، في طريقك إلى القمة، كان أسلوبك في التعامل مع الشركاء والمواثيق مثيرًا للجدل. في مشروع تسلا، وبعد أن ساعدك المستثمرون في إنقاذ الشركة من الإفلاس، تراجعت عن التزاماتك معهم بصورة مفاجئة، في سلوك لا يعكس احترامك للتعاون أو الالتزامات الأخلاقية.
وما فعلته مع مشروع “ChatGPT” يعد مثالًا آخر. رفعت دعاوى وادعاءات حول أحقّيتك بالسيطرة على المشروع، مستخدمًا مستندات مثيرة للشك، في الوقت الذي أنكرت فيه المساعدة المالية الحقيقية التي تلقيتها لإنقاذ تسلا. هذه الحوادث تعكس ميلًا للتلاعب والانفراد بالنجاح.
المال والسلطة: هل فقدت البوصلة؟
لقد بدا واضحًا أن ثروتك ونفوذك السياسي قد استُغلا لتحقيق أجندات لا تخدم الإنسانية. دعمتَ دونالد ترامب في صفقاتٍ مشبوهة عززت ثروتك، ولم تكتفِ بذلك، بل أعلنت دعمك لحركات وتيارات يمينية متطرفة في أوروبا، مثل حزب “البديل من أجل ألمانيا”، المعروف بمواقفه العنصرية.
تصريحاتك وسلوكياتك الأخيرة تُثير القلق. رفعك ليدك في إيحاءات تُذكر بعصور مظلمة في التاريخ الأوروبي، ودعواتك لتبني أفكارٍ مضادة للهجرة، تُظهر جانبًا آخر لشخصيتك، جانبًا يُناقض قيم التنوع والمساواة التي ساهمت في صعودك.
رسالة إلى الإنسانية: قيم العدالة تنتصر دائمًا
السيد ماسك،
مهما بلغت ثروتك، ومهما استطعتَ التأثير في الرأي العام، تظل القيم الإنسانية أقوى وأبقى. البشر بطبيعتهم يميلون إلى العدل والمساواة، ولن يتمكن خطابك أو أفعالك من تغيير ذلك. عاجلًا أم آجلًا، سيُدرك العالم حقيقة توجهاتك، وستكون العواقب ثقيلة على صورتك التي تحاول رسمها كعبقري مستنير.
إن التاريخ علّمنا أن العنصرية والكراهية لا يمكنهما الصمود أمام إرادة الشعوب. قيم العدل والتسامح والمساواة ستسود، وسيذهب كل من ينادي بعكس ذلك إلى مزبلة التاريخ، حاملاً معه لعنات المظلومين وعبء انحرافاته الأخلاقية