مبررات خطاب اليمين الأوروبي

مع صعود نجم أحزاب اليمين الأوروبي بعد خطاب شعبوي اتسم بالصرامة تجاه عدة قضايا أبرزها قضية اللاجئين والاقتصاد وكذا قضية الحرب الروسية الأوكرانية، برزت الحاجة إلى ضرورة تحليل الخطاب الشعبوي لأحزاب أقصى اليمن في أوروبا، وهو الخطاب السياسي الذي مكنها من أن تتصدر مؤشرات التصويت في الانتخابات التشريعية الأوروبية، كنوع من رد الفعل تجاه ما يمكن أن يطلق عليه “فشل” الحكومات القومية واليسارية تجاه قضايا أوروبا خلال الفترة الماضية.
واستند الخطاب الشعبوي لليمين الأوروبي على قضايا عدة كان في القلب منها مناهضة تدفق اللاجئين، وقضايا اقتصادية، وارتفاع حدة التضخم نتيجة تداعيات أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، علاوة على فشل أوروبا في احتواء التصعيد بين روسيا وأوكرانيا أو حتى تقديم صيغة موفقة لصفقة بين الجانبين تجنب أوروبا تداعيات الحرب.
وقد يكون لخطاب اليمين الأوروبي ما يبرره انطلاقًا من عدة محددات استندت عليها أحزاب اليمين في دعايتها الانتخابية، وهي كالتالي:
- انتشار الجريمة العابرة للقارات: ازدادت وتيرة الجرائم العابرة للقارات في أوروبا خلال الآونة الأخيرة، مع تزايد عدد اللاجئين في دول الاتحاد، حيث استقبلت دول أوروبا لاجئين من أغلب جنسيات دول الصراعات، وقد نجم عن ذلك تورط لاجئين في جرائم قتل وطعن وتفجيرات في عدة مناطق في أوروبا، وعلى سبيل المثال لا الحصر كشفت الشرطة الألمانية عن تورط لاجئ من أصل سوري قتل شرطي وإصابة 3 أخرين بعد رفض طلب لجوءه في مدينة مانهايم في شهر مايو الماضي، كما سجلت الشرطة وفي زولينغن بألمانيا أيضًا تورط شاب سوري في قتل 3 أشخاص وجرح 3 آخرين، وهو الحادث الذي أعلن تنظيم داعش تبنيه في 23 أغسطس الماضي. كما تورط مواطن من مالي في جريمة قتل أخرى في فرنسا حيث اعتدى على 3 فرنسيين في محطة قطار غار دي ليون ما تسبب في إصابتهم بإصابات حرجة، فضلًا عن حادث وقع في مدينة بوردو جنوب فرنسا تورط فيه لاجئ أفغاني وأسفر عن مقتل شخص وإصابة آخر.
- الضغط على الاقتصاد الأوروبي: بلا شك يمثل تزايد معدل اللاجئين في أوروبا ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد، خاصة مع تزايد معدل اللاجئين، إذ تكشف وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء عن تزايد معدل اللاجئين والنازحين قسرًا خلال عام 2023 حوالي ليتجاوز معدل 114 مليون لاجئ، حيث شملت مناطق النزوح أوكرانيا بجانب دولًا أفريقية كالسودان والصومال وأفغانستان وميانمار ودول أمريكا اللاتينية، وقد تسببت تلك الموجات من النزوح في تكلفة دول أوروبا أكثر من 30 مليار دولار للإنفاق عليهم وهو رقم سيرتفع إذا استمرت الأزمة، وهو ما قد يضغط على قطاعات الصحة والإسكان والوقود وهو ما يرفع أسعار تلك الخدمات على اللاجئ والمواطن.
- ارتفاع معدلات التضخم في منطقة اليورو: وعلى إثر أزمة تدفق اللاجئين وبطئ التعافي من تداعيات أزمة كورونا ارتفع معدل التضخم والتي تدور حول 5.8 % والتي من المتوقع أن تصل إلى معدل 7% بسبب أزمة اللاجئين طبقًا لوكالة يوروستارت.
- الحرب الروسية الأوكرانية: وما خلفته من تزايد معدلات اللاجئين الأوكرانيين في عدة دول أوروبية كان له تداعيات كبيرة على خطاب اليمين الأوروبي، الذي استند إلى عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بنهاية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وعدم وجود أفق لنهاية الصراع العسكري المسلح هناك، وهو ما يزيد من عدد اللاجئين إلى دول أوروبا من جانب ويضغط على الاقتصاد الأوروبي من جانب آخر، في ظل وجود جنسيات أخرى بين اللاجئين من العرب والأفغان وغيرهم.
- صدمات اقتصادية متتالية: تسببت بها أزمات مر بها الاتحاد الأوروبي منذ الصدمات الاقتصادية التي خلفتها أزمتي 2008 و2009 الاقتصاديتان، مرورًا بأكبر أزمة لاجئين في 2015 و 2016، بالإضافة إلى أزمة كورونا 2019، وما تسببت فيه حالات الإغلاق من انكماش كبير في الاقتصاد وتراجع الناتج المحلي الأوروبي خلال العام 2020 بنسبة 11.9%، وفقاً لمكتب إحصائيات الاتحاد الأوروبي “يوروستات” حينها، وهو ما يمثل أسوأ انكماش منذ أن بدأت سجلات الاتحاد في العام 1995، بعد عامين فقط من تأسيس تكتل الاتحاد الأوروبي عام 1993.
- ارتفاع أسعار الطاقة: إذ تم تسجيل انخفاضات متتالية في مخزون الغاز الأوروبي، علاوة على لجوء عدة دول إلى استيراد الغاز من الخارج في ظل ارتفاع أسعاره، خاصة بعد بدء السحب من مخزونات الغاز الطبيعي الأوروبي ما تسبب في انخفاضه من في إلى 92.58% ، بعد أن سجل المخزون 95.21%، طبقًا لإحصائيات منصة “جاس إنفراستراكتشر يوروب”، وهي الإحصائيات التي استتبعها صعود كبير في أسعار العقود الآجلة للغاز الهولندي تسليم ديسمبر بنسبة 3.6% إلى 45.24 يورو لتسجل أعلى مستوى لها هذا العام، وهو ما دفع أسعار الغاز العالمية في أوروبا لتسجل أعلى مستوى لها حيث تجاوزت مستوى 500 دولار لكل ألف متر مكعب.
في النهاية.. يمكن القول إن خطاب الأحزاب اليمينة في أوروبا لمست متطلبات المواطن الأوروبي، الذي يرغب في الحفاظ على هوية بلاده وطابعها الأوروبي الغربي من جانب، بالإضافة إلى أن تدفق اللاجئين ضغط بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية في دول التكتل الذي بات يعاني من أزمة ارتفاع في أسعار السلع للمستهلكين، علاوة على ارتفاع أسعار السكن ونقص السلع الاستراتيجية، فضلًا عن عدم وضوح الروؤية فيما يتعلق بنهاية الصراعات العسكرية المسلحة في عدة مناطق ساخنة أبرزها الساحة الأوكرانية والأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، وهي الصراعات التي أدت إلى تدفق كبير لعدد اللاجئين إلى دول أوروبا الآمنة.
وقد استخدمت أحزاب اليمين المتطرف تلك التداعيات الناجمة عن تدفق اللاجئين في شعاراتها الانتخابية، وهو ما لمس احتياجات الناخبين في عدة مناطق تعاني الفقر والاحتياج لتحسين المعيشة، مع فشل البرامج الانتخابية للأحزاب القومية واليسارية الحاكمة في عدة دول أوروبية في تحقيق أي رفاهية تذكر للشعوب الأوروبية.