حوادث المهاجرين في أمريكا وأوروبا.. الأسباب والتداعيات

ازدادت في الآونة الأخيرة وتيرة حوادث الدهس والطعن في عدة دول أوروبية بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، ما يلفت الانتباه إلى دراسة أسباب تلك الحوادث، خاصة بعدما أعلن تنظيم داعش الإرهابي عن مسؤوليته عن بعض تلك الحوادث، علاوة على تورط مهاجرين في تلك الأحداث الدامية، ما يلفت الانتباه مرة أخرى إلى قوانين مناهضة تدفق اللاجئين في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع صعود الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، واتهامه للمهاجرين أو اللاجئين في تلك الحوادث.
تسلسل زمني
شهد العام المنصرم 2024 عدة حوادث طعن ودهس في عدة مدن أوروبية كان أبرزها ما شهدته ألمانيا على وجه التحديد في عدة مدن أبرزها عملية الطعن التي شهدتها صالة ألعاب في مدينة دويسبرغ في إبريل الماضي، وتسببت في مقتل 4 أشخاص وإصابة 5 آخرين، علاوة على ما حادث الطعن الذي شهدته مدينة مانهايم في مايو 2024 وأسفرت عن إصابة 5 أشخاص، بجانب ما تعرضت له مدينة زولينغن في أغسطس الماضي من حادث طعن 3 أشخاص، وقد تبنى تنظيم داعش هذا الحادث، انتهاءً بالحادث المروع الذي شهدته مدينة ماغد بورغ ليلة 20 ديسمبر الماضي. فيما شهدت مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية حادث دهس أخر في منطقة نيوأورليانز مع الساعات الأولى للعام الجديد، إذ تم ضبط وقتل منفذ الهجوم الذي يعد أحد من ألهمهم تنظيم داعش.
وقد تسبب الحادث الأخير الذي وقع في مدينة نيوأورليانز بنيويورك في بروز تصريحات للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والذي حمل اللاجئين والتساهل مع قضيتهم المسؤولية الكاملة عن تلك الأحداث، واعتبر أن “مجرمين أجانب” كانوا وراء الهجوم، وكتب على صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي وقال: “عندما قلت إن المجرمين القادمين أسوأ بكثير من المجرمين الموجودين في بلدنا، تم دحض هذا التصريح باستمرار من قبل الديمقراطيين ووسائل الإعلام المزيفة، ولكن تبين أنه صحيح”.
الأسباب والتداعيات
وقد كانت هناك عدة عوامل مثلت الأسباب الرئيسية لبروز تلك الحوادث على السطح في أوروبا بالتحديد نذكر منها ما يلي:
- صعود اليمين الأوروبي
نجحت أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا في الانتخابات التشريعية التي شهدتها دول أوروبا كلها، وكان أخر تجلٍ لها في ألمانيا، حيث سقطت حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس بعدما سحب البرلمان الألماني “البدوندستاج” الثقة منها مؤخرًا، فيما ينشط حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني بقوة على الساحة السياسية الألمانية، علاوة على خطاب اليمين الأوروبي الرافض بشكل قاطع لتدفق اللاجئين والمهاجرين، ما يثير لدى اللاجئين دوافع الانتقام من أحزاب اليمين الأوروبي، ويدعو إلى رفض الاحتفالات الأوروبية الطابع خلال الأعياد المسيحية.
- تعزيز المخاوف من “الإسلاموفوبيا”
ويتمثل العامل الثاني في المخاوف مما يعرف بـ”الإسلاموفوبيا”، وهو مصطلح يستخدم لوصف العداء غير العقلاني أو الخوف أو الكراهية للإسلام والمسلمين والثقافة الإسلامية الموجودة في دول أوروبا، خاصة بعد تورط عناصر من اللاجئين العرب والمسلمين في حوادث الدهس والطعن في عدة عواصم أوروبية، وهو ما يزيد من نشاط الحكومات الأوروبية ضد المسلمين في بعض الأحيان، ويتسبب في رد فعل سلبي من المجموعات المتطرفة الخاملة في أوروبا، والمدعومة من تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش الإرهابيين. وهو ما يدعو النظم السياسية الأوروبية لتعظيم المخاوف من الإسلام من جانب، والعمل على رفض دخول المهاجرين العرب والمسلمين إلى دول أوروبا، وهو ما يثير نزعات انتقامية إزاء الإجراءات الأوروبية لتحجيم اللاجئين العرب والمسلمين.
- ميثاق اللجوء الأوروبي
أثار ميثاق اللجوء الأوروبي، الذي تبنته دولًا أوروبية لمنع تدفق اللاجئين إليها بشكل عشوائي، على أن يكون هناك ضوابط محددة، رد فعل واسع النطاق في الأوساط العربية والإسلامية، في ظل ما تشهده بعض دول الشرق الأوسط من تسارع لوتيرة الأحداث الساخنة، والتي تجبر كثير من المواطنين على التوجه لأوروبا الآمنة، خاصة وأن الميثاق يضع ضوابط صارمة تتعلق بتوزيع عادل للاجئين على دول الاتحاد، وإنشاء أجهزة أمنية ورقابية على حدود الدولة المستضيفة قبل ولوج اللاجئين إليها، وهو ما يصعب من تحرك اللاجئين إلى دول أوروبا.
ويرى مراقبون إن بعض الحوادث التي تشهدها أوروبا تعد رد فعل على تحجيم أوروبا لسياسات تدفق اللاجئين إلى القارة العجوز، وهو ما يستدعي تشديد الرقابة وظهور أصوات تطالب بتعديل ميثاق اللجوء مرة أخرى بحيث تضمن دول أوروبا تدفق أقل للاجئين.
- التحولات في سوريا
أفرزت الأحداث التي جرت في سوريا مؤخرا وخاصة بعد سقوط حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد تحولات جديدة في المشهد الأوروبي، إذ دعت حكومات أوروبية عدة السوريين للعودة إلى بلادهم، ووضعت حوافز مالية تتضمن منح السوريين مبالغ مالية وتأشيرات سفر مجانية للعودة إلى وطنهم بعدما سقط بشار الأسد، والذي كان يحول نظامه بين اللاجئين وبين بلدهم، وهو ما جعل حكومات أوروبا ترى في ذلك فرصة للتخلص من العدد الكبير من اللاجئين على أراضيها.
يضاف إلى ذلك ما أقدمت عليه دولًا أوروبية بتعليق طلبات اللجوء لعدد كبير من السوريين، وأبرز تلك الدول هولندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والنمسا، وإيطاليا وكرواتيا وسويسرا والدنمارك والنرويج واليونان.
خاتمة
تتداخل العوامل التي قد تكون ضمن الأسباب لتزايد معدلات الهجمات الإرهابية في عدة دول أوروبية بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تعاظم التصريحات العدائية ضد الاجئين في القارتين (أوروبا وأمريكا الشمالية)، وهو ما يشير إلى ضبابية الكثير من واقع شكل الفترات القادمةويحتاج بالضرورة الي معالجات ومقاربات حقيقة لتوصيف المشهد. مع التوصية بتخفيف حدة التصريحات العدائية للاجئين، والاستمرار في ضبط الآداء التشريعي بالتوافق بين دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.