المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / تداعيات تصنيف حزب البديل الألماني منظمة متطرفة

تداعيات تصنيف حزب البديل الألماني منظمة متطرفة

تداعيات تصنيف حزب البديل الألماني منظمة متطرفة

تسبب قرار جهاز الاستخبارات الألماني، القاضي بتصنيف حزب “البديل من أجل ألمانيا” منظمة متطرفة ردود فعل واسعة على المستويات كافة، خاصة وأن القرار يعطي صلاحيات للأجهزة الأمنية في ألمانيا لمراقبة الحزب ونشاطاته السياسية وكوادره، على الرغم من حلول الحزب في المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو القرار الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية وأجبرها على الرد والدخول على خط المواجهة مع ألمانيا، ووصفت ألمانيا بممارسة “استبداد” بحق أحد أكبر الأحزاب اليمينية في أوروبا، على الرغم من كون الحزب الألماني مدعومًا من إيلون ماسك رجل الأعمال الأمريكي الشهير والمقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

شكل القرار ومضمونه

يمثل القرار استكمالًا لما بدأه جهاز الاستخبارات الألمانية من قرارات سابقة بحظر فروع محلية لنفس الحزب في مناطق متفرقة من ألمانيا الاتحادية، وهو ما يشير إلى تعمد الملاحقة للحزب وفروعه، على أن يتم ملاحقة كوادره في مرحلة مستقبلية، إذا لم يلتزموا بقرار الحظر، وهو ما يؤشر على وجود رغبة لدى الحكومة الألمانية الحالية بتقويض عمل الحزب في الفترة المقبلة، ومنعه من المشاركة في أي ائتلاف حكومي مستقبلا، بالإضافة إلى تقليل الحواجز أمام خطوات مثل التنصت على المكالمات الهاتفية والاستعانة بعملاء سريين لعرقلة عمل الحزب ونشاطه.

استند جهاز الاستخبارات الألماني على ما اعتبره “التصريحات المعادية للأجانب والأقليات والمسلمين، والإسلاموفوبية التي يدلي بها مسؤولون بارزون في الحزب”، كتهمة تبرر القرار، خاصة وأنه من المعروف أن أجندة حزب البديل من أجل ألمانيا تتضمن بنودًا وخططا داعمة لخطة رفض تدفق اللاجئين إلى ألمانيا بشكل خاص وألمانيا بشكل عام،  ويدعم بشكل كامل التشريعات الأوروبية المتمثلة في “ميثاق الهجرة واللجوء”.

تبعات القرار

كانت أبرز التبعات التي لاحقت القرار فور صدوره هو التعليق الأمريكي الصادر عن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي كتب على منصة إكس، قائلًا: “منح ألمانيا وكالة استخباراتها صلاحيات جديدة لمراقبة حزب البديل هو “طغيان مقنع” وليس ديموقراطية”. بالإضافة إلى تعليق نائب الرئيس الأمريكي على القرار قائلًا: “وكتب فانس على منصة إكس: “الغرب كانوا معًا، فهدموا جدار برلين، لكن أعيد بناؤه، ليس من قبل السوفيات أو الروس، بل من قبل المؤسسة السياسية الألمانية”. وهو التعليق الذي يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى في القرار محاولة جديدة لإحداث انقسام في ألمانيا، على الرغم من أن الحزب قد حظي في الانتخابات التشريعية الأخيرة بقبول كبير وسط المواطنين الألمان، إذ حصل الحزب على أكثر من 20% من الأصوات، وجاء في المرتبة الثانية خلف تحالف ميرتس “الاتحاد المسيحي الديموقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي” ذي التوجه اليميني الوسطي.

وبالرغم من دعوات سابقة لأحزاب ألمانية رفضت الدخول في تحالفات مع حزب البديل من أجل ألمانيا كالأحزاب التقليدية التي رفضت الدخول في حكومة ائتلافية مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” أو العمل معه، وكذا تحالف ميرتس نفسه الذي سلك نفس الطريق، إلا أن تحالف ميرتس عدل عن قراره وأعلن تضامنه مع أجندة حزب البديل المناهضة لتدفق اللاجئين، حيث يسعى الطرفان إلى تمرير مقترح برلماني يطالب بتشديد إجراءات الهجرة.

تداعيات القرار

بلا شك أن القرار الصادر عن جهاز الاستخبارات الألماني له تداعياته التي تأتي على مستويين على النحو التالي:

  • المستوى الخارجي:

للقرار تداعياته على مستوى علاقات ألمانيا بجيرانها الأوروبيين أو مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الولايات المتحدة تتسق أجندتها تجاه اللاجئين مع أجندة حزب البديل من أجل ألمانيا في مناهضة الهجرة غير الشرعية وتدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وهو ما يبشر باحتمال اندلاع حرب تصريحات بين الجانبين مستقبلا.

يدخل على خط تداعيات القرار موقف الحزب من قضية الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة وأن الحزب الألماني له علاقات وثيقة مع روسيا، بجانب دعوته لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى علاقات الحزب مع الصين، وهو ما دعا الاستخبارات الألمانية أن تلقي القبض على مساعد سابق لنائب في البرلمان الأوروبي من حزب البديل من أجل ألمانيا بتهمة التجسّس لحساب الصين.

  • المستوى الداخلي

على المستوى الداخلي يسمح القرار الأمني باتخاذ إجراءات عقابية ضد كل أحزاب اليمين المتطرف في البلاد أو صاحبة التوجه اليميني سواء تلك التي تصنف على إنها يمينة متطرفة أو يمين الوسط، خاصة إذا تشابهت في أجندتها تجاه مسألة تدفق اللاجئين إلى ألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام.

وقد يتسبب القرار في حالة من الانقسام والشحن المضاد، حيث سترد تلك الأحزاب بمضاعفة نشاطاتها من خلال الاجتماعات السرية والنشاطات غير المرصودة، علاوة على ما قد يتسبب فيه القرار من خروج التظاهرات الداعمة من جانب للحزب ونشاطه بحجة الممارسة الديمقراطية والحفاظ على التعددية السياسية، بالإضافة إلى فراغ يد السلطة الحاكمة في ألمانيا من إجراءات فاعلة سلمية فاعلة لمواجهة أفكار اليمين، واللجوء إلى القرارات الأمنية المفاجئة، وهو ما قد يتسبب في تضامن أحزاب وجماعات أخرى مع حزب البديل، ما يسمح له بتوسيع مساحة أفكاره  ونشاطه بشكل غير مباشر.

خاتمة

يمكن القول إن قرار حظر حزب البديل وتصنيفه ككيان متطرف يعطي انطباعًا لدى كل أحزاب اليمين المتطرف في عدة دول أوروبية بأنها على موعد مع استخدام القبضة الأمنية ضدها، واستخدام السلاح نفسه لمنع نشاط تلك الأحزاب، خاصة وأن ألمانيا دولة فاعلة وصاحبة ثقل سياسي في كيان الاتحاد الأوروبي، وهو ما يثير مخاوف لدى الأحزاب اليمينية من أن تسلك حكومات أوروبا نفس المسلك تجاهها.

لكن اللافت للنظر أن القرار الفردي للسلطات الألمانية لم يأتي بتنسيق مسبق مع أي دولة من دول أوروبا، على الرغم من المجاهدة التي تمارسها دول أوروبا في سبيل تمرير “ميثاق الهجرة واللجوء” لوضع إطار قانوني للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وهو ما يشير إلى أن القرار يخص ألمانيا فقط، والتي قد تقرر في لحظة من اللحظات العدول أو التخفيف من قرارها، خاصة مع تنامي شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا، وتناغم أجندته مع المزاج العام الألماني فضلا عن  الضغط الأمريكي وموقف واشنطن الرافض لتلك الإجراءات، في ظل محاولا واشنطن لإجراء صفقة لوقف الحرب الروسية باتصالات مباشرة مع أطراف الصراع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *