المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / تداعيات الدعم الأوروبي لدول شمال أفريقيا للحد من تدفق الهجرة غير الشرعية

تداعيات الدعم الأوروبي لدول شمال أفريقيا للحد من تدفق الهجرة غير الشرعية

تداعيات الدعم الأوروبي لدول شمال أفريقيا للحد من تدفق الهجرة غير الشرعية

تجاهد دول أوروبا للحد من تدفق اللاجئين إليها، إذ تعمل على الجبهات كافة من أجل التوصل إلى نسبة معقولة من تواجد جنسيات غريبة عن قومياتها على أراضيها، وهو ما خلق هاجسًا لدى دول أوروبا وعملًا شاقًا ودؤوبا على كل الأصعدة من أجل التخلص من اللاجئين الذين وفدوا إليها مؤخرًا وتسببوا في أوضاعًا ضاغطة على اقتصاد أوروبا، فضلًا عن تخوفات من تغيير في الهوية الديمغرافية لأوروبا نتيجة تعدد الجنسيات على أراضيها وتغلغل اللاجئين في النسيج الاجتماعي الأوروبي، فضلًا عن تورط عدد منهم في حوادث جنائية.

ولم يكن التحرك الأوروبي في هذا الإطار مقصورًا على إصدار التشريعات كـ”ميثاق اللجوء” أو الملاحقات الأمنية الداخلية للاجئين، والتنسيق مع دول أوروبا الأخرى، بل تعداه إلى تحرك خارجي من خلال عقد دول أوروبية لاتفاقيات مع دول شمال ووسط أفريقيا وبالتحديد دولتي تونس وليبيا لاستقبال أو ترحيل عدد كبير من اللاجئين على أراضي دول تكتل بروكسل، كوسيلة للتخلص منهم.

اتفاقيات أوروبية مع تونس

في منتصف شهر يوليو من عام 2023 أبرمت المفوضية الأوروبية مع دولة تونس اتفاقية أسمتها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الهجرة غير الشرعية ودعم مجالات التنمية الاقتصادية والطاقة المتجددة، تحصل بموجبها تونس على نحو100 مليون يورو سنوياً لعمليات البحث والإنقاذ وإعادة المهاجرين لتونس، إلا أن تدفق اللاجئين من تونس إلى إيطاليا استمر رغم الاتفاقية خلال الفترة (15 مارس 2024 – 15 أبريل 2024) بنحو  (337.52%) مقارنة ببداية عام 2024، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في الاتفاقية، فأضافت المفوضية ضمن إطار الاتفاق ضرورة ضم وإشراك المنظمات الدولية للعمل على إعادة المهاجرين لبلدانهم الأصلية، بالإضافة إلى تقديم مزيد من الدعم لمزيد من دول أفريقيا لتمكينهم من استقبال اللاجئين.

يضاف إلى ذلك أن عدة دول دخلت على خط الاتفاقية بشكل منفرد حيث عقدت دول مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا، اتفاقيات ثنائية مع تونس، تستهدف من ورائها ضرورة ضبط الحدود ومنع تدفق اللاجئين، مقابل زيادة دعم وصندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني لأفريقيا “EUTF” والذي يستهدف تقديم الدعم المالي الكبير للمشاريع المرتبطة بالهجرة ومراقبة الحدود في دول شمال أفريقيا.

البعثة العسكرية الأوروبية في ليبيا

لم تكن تونس وحدها هي النموذج الذي لجأت إليه دول أوروبا لتنفيذ تلك التعهدات، بل إن ليبيا كانت ضمن رؤية أوروبا، حيث قرر الاتحاد الأوروبي مد عمل البعثة العسكري الأوروبية “إيريني”، والتي تتمركز في منطقة البحر الأبيض المتوسط، والتي تتواجد هناك بناءً على اتفاقية السياسة الامنية والدفاعية المشتركة  “إيريني” والتي تقرر أن تحتفظ بمكانها وتمركزها في تلك المنطقة حتى الأول من إبريل 2027.

كما خصص الاتحاد الأوروبي لاستمرار عمل تلك البعثة  ما يعادل 16.35 مليون يورو، كتمويل لعمل البعثة لمنع تدفق اللاجئين من ليبيا إلى دول أوروبا، خاصة وأن عمل تلك البعثة يتمثل في معانة خفر السواحل الليبي لوقف الهجرة غير الشرعية، بالتعاون مع وكالة  “فرونتكس” والسلطات الليبية ذات الصلة.

نشاط أوروبي سابق لمواجهة الهجرة غيرالشرعية

في الأسبوع الأخير من شهر سبتمر عام 2019، كشف المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمنظمة الأمم المتحدة عن إطلاق المبادرة المشتركة بين الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية للهجرة لحماية المهاجرين وإعادة إدماجهم في شمال إفريقيا، وهي المبادرة التي تمولها المنظمة الدولية للهجرة وكذلك الاتحاد الأوروبي، حيث انضم إلى تلك المبادرة عدة دول من شمال أفريقيا كان منها مصر الجزائر، ليبيا، المغرب وتونس.

وتشير مبادئ تلك المبادرة إلى تحقيق عدة ضوابط على النحو التالي:

  • المبادرة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولي للهجرة
  • تستهدف مساعدة من أسمتهم “المستضعفين” في بلدان شمال أفريقيا
  • توفر خدمات الحماية والعودة طوعا لمن خرجوا من تلك الدول
  • تساعدهم المبادرة في إعادة إدماج العائدين ما بعد العودة

وتعمل دول الاتحاد الأوروبي على توفير الدعم المالي الكامل لتنفيذ تلك الاستراتيجية، حيث أبرم الاتحاد ممثلًا في المفوضية الأوروبية اتفاقية مع تونس بقيمة 255 مليون يورو، وأخرى مع مصر بقيمة 7.4 مليار يورو، بجانب دعم مالي بقيمة 152 مليون يورو للمغرب، وكلها في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية الصادرة من دول شمال أفريقيا إلى أوروبا، وهو ما يشير إلى أن بيانات وإحصائيات الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين لديها تؤكد على أن تلك الدول تعد من أكثر الدول المصدرة للمهاجرين إلى مناطق أوروبا.

النهج الأمريكي

وفي إطار الحملة الأمريكية في مناهضة الهجرة، والتي تتسق مع النهج الأوروبي، بدأت الإدارة الأمريكية تناقش فكرة ترحيل طالبي اللجوء إلى دولة ليبيا، وبالتحديد من لديهم سجلات إجرامية، أو ممن تورطوا في جرائم جنائية في الولايات المتحدة الأمريكية.  كما تناقش واشنطن نفس الخطة مع دول أفريقية أخرى أبرزها رواندا والسلفادور بملايين الدولارات، لاستخدام تلك الدول في إيواء المهاجرين في سجون شديدة الحراسة.

وكشف تقرير صادر عن مكتب إحصائيات الأمن الداخلي الأمريكي أن الحصول على اللجوء في الولايات المتحدة الأمريكية أمرًا صعب المنال، فخلال السنة المالية 2024، لم تتم الموافقة إلا على حوالي 12% من الطلبات، وهو ما دعا الولايات المتحدة الأمريكية لأن تعقد ذلك الاتفاق مع رواندا لإيواء المهاجرين.

وعلى ما يبدو أن رواندا – الدولة الواقعة في شرق إفريقيا – كانت أحد الدول التي لجأت إليها الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك أوروبا لحثها على استقبال اللاجئين لديها، حيث
وقعت رواندا اتفاقية مع بريطانيا في عام 2022 لاستقبال الألاف من طالبي اللجوء في المملكة.

خاتمة

اتجهت أنظار أوروبا تجاه دول شمال أفريقيا لعقد اتفاقيات معها للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية يعطي انطباعات مؤكدة بأن سكان دول شمال أفريقيا يمثلون غالبية المهاجرين إلى أوروبا، وهو ما دعاهم لعقد تلك الاتفاقيات مع الدول الطادرة والمصدرة للمهاجرين، إذ طبقًا لإحصائيات مراكز الهجرة الأوروبية فقد كشفت أن الدول الثلاث المغرب والجزائر وتونس وكذلك موريتانيا تمثل أكثر الدول المصدرة للمهاجرين بواقع ما يزيد عن ٥ ملايين مهاجر من أصل 11 مليون مهاجر إفريقي في أوروبا.

يمكن اعتبار أن تلك الاتفاقيات التي يعقدها الاتحاد الأوروبي تمثل منظومة عمل إضافية بجانب نشاط الاتحاد في تشريع القوانين والمواثيق الضاغطة على حركة المهاجرين ومنعهم من الولوج إلى دول أوروبا، وبالتالي تسعى أوروبا إلى وأد القضية في مهدها، بمعنى مساندة الدول المصدرة للاجئين ودعمها في سبيل منع تحرك المهاجرين خارج الحدود، وكذلك مساعدة دول العبور في منعهم، وهو ما يخلق فرصة أوسع لدول أوروبا لمحاربة تدفق اللاجئين إلى أراضي التكتل، وهو ما قد يسهم في تخفيف حدة زيادة تدفق اللاجئين إلى أوروبا من جانب، وإنقاذ أوروبا من الهجمات التي والعمليات التي يتورط فيها مهاجرين كعمليات الطعن والدهس في عدة دول بالاتحاد الأوروبي.

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *