تأثير إقرار “ميثاق الهجرة واللجوء” على دول أوروبا

يتوجس اللاجئون في أوروبا أو الطامحين والطامعين في الاستقرار في أوروبا من تأثيرات إقرار ما يعرف بـ”ميثاق الهجرة واللجوء”، وهو القانون الذي أقره البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي في مايو 2024، وهو القانون الذي يرسم ملامح العلاقة بين دول أوروبا فيما يتعلق بتقريب مواقف دول الاتحاد أو بمعنى أدق تنسيق المواقف بشأن اللاجئين، إذ من المقرر أن يطبق في شهر يونيو من عام 2026.
وتشير التقديرات إلى أن ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي يحتوي على عشرة نظُم قانونية تتعلق بالتشريعات المتفق عليها بين دول الاتحاد من أجل تقويض تحركات اللاجئين عبر الحدود الأوروبية، كما طغت على الميثاق الرؤية الأمنية الصارومة بالمقارنة بالرؤية الحقوقية والإنسانية، وهو ما يفسر رغبة أحزاب اليمين الأوروبي في مواجهة موجات اللاجئين إلى دول الاتحاد بشكل أمني حاد.
وقد حرصت الدول المقدمة للميثاق والمؤيدة لتطبيقه على ضرورة أن يحظى الميثاق بموافقة البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد، بصفتهما المؤسستان التشريعيتان اللتان يتقاسمان الاختصاص فيما يتعلق بقوانين الاتحاد الأوروبي طبقًا لاتفاقية لشبونة 2009، وهي الاتفاقية التي حددت اختصاصات المجالس التشريعية لدول أوروبا، وبالتالي فإن موافقة المجلسين على الميثاق يجعله اتفاقًا قانونيًا متكاملًا بين الدول الأعضاء، ويجبر الجميع على احترامه.
1- محددات الميثاق
أثار الميثاق ردود أفعال كثيرة خلال مناقشته لتضمنه بنودًا شديدة الحدة توافق عليها الدول التي يسيطر عليها أحزاب اليمين المتطرف، وهو ما ترفضه الأحزاب اليسارية والقومية، إذ جاءت أبرز تلك البنود الخلافية على النحو التالي:
1- الميثاق يلزم دول الاتحاد مجتمعة على توزيع عادل للاجئين، على أن يتم الاستناد في ذلك على قاعدة بيانات توفرها منصة إليكترونية أطلق عليها “أوروداك”.
2- تعمل الأجهزة الأمنية بناء على المعلومات التي توفرها المنصة على مقارنة البصمات تجنبًا لتكرار طلبات اللجوء من أجل وضع حصر وإحصاء دقيق لعدد اللاجئين.
3- تنظر الأجهزة الأمنية بعين الاعتبار لدرجات المخاطر التي تتعرض لها البلاد المضيفة للاجئين بناء على طلبات طالبي اللجوء.
4- تدرس الطلبات جيدًا عند حدود الاتحاد الأوروبي أو بمعنى أدق عند حدود الدولة المستقبلة للاجئ أو المهاجر، على أن يكون هناك تنسيق متبادل بين كل دول الاتحاد بشأن ذلك الطلب، حيث يحدد المهاجر وجهته النهائية في طلبه، وبالتالي يتم القبض عليه إذا ما ضبط في بلد أخر غير تلك المكتوبة في أوراقه الثبوتية.
5- يضمن الميثاق ضرورة أن يكون هناك توزيعًا عادلًا للمهاجرين طبقًا لضوابط ومعايير الدولة المستضيفة للمهاجرين.
6- بموجب الميثاق يتم تخصيص مراكز حدودية لاحتجاز اللاجئين خلال فترة فحص وتدقيق طلبات لجوئهم، على أن يتم ترحيل من ترفض طلباتهم، وإرسال طالبي اللجوء إلى بلدان خارج الاتحاد الأوروبي توصف بأنها “آمنة” إذا كان لطالب اللجوء رابط ما مع هذه الدولة.
2- تداعيات بنود الميثاق
ويبدو أن الميثاق يغلب عليه الطابع الأمني والتنسيقي، وهو ما أثار استياء جهات عاملة في مجال حقوق الإنسان وفي القلب منهم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، والذي شدد في بيان رسمي له على أن ذلك الميثاق يغض الطرف عن الحقوق الأساسية للإنسان المهاجر وتدابير الحماية، مطالبًا في الوقت ذاته بضرورة العمل على ضمان احترام حقوق الإنسان داخل حدود القارة الأوروبية وخارجها خلال عملية التنسيق الأمني بين دول الاتحاد.
لكن على أية حال يعد الميثاق ضابطًا لعملية توافد اللاجئين إلى دول أوروبا، وسيسمح لسلطات بلاد الاتحاد بتطبيق تدابير أكثر صرامة لمنع دخول اللاجئين إلى أراضيها، ويطابق المزاج الأوروبي اليميني العام الرافض للمهاجرين، خاصة بعدما أعلنت الحكومة الهولندية اليمينية مثلًا أنها ستراقب حدودها بشكل دائم، كما وسعت ألمانيا من نطاق عمليات التفتيش الأمني على حدودها مع جيرانها التسعة، علاوة على تمديد فرنسا لعمليات التفتيش المؤقتة على حدودها مع ستة دول هما لوكسمبورغ وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وسويسرا حتى نهاية أبريل من عام 2025، يضاف إلى ذلك إغلاق فنلندا لحدودها مع روسيا.
وقد أسمهت تلك الإجراءات في تقويض حركة اللاجئين وتموضعهم في دول أوروبا، إذ سجلت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود المعروفة باسم “فرونتكس” انخفاضًا كبيرًا في عد اللاجئين غير النظاميين إلى دول أوروبا في العام الجاري 2014 بمعدل 42% مقارنة بعام 2023، بسبب الضوابط والتشريعات الأوروبية الجديدة المتعلقة باللاجئين والمهاجرين.
في المجمل.. يمكن القول إن ميثاق الهجرة واللجوء هو سلاح ذو حدين، وله تداعياته سواء على دول الاتحاد أو على اللاجئين أنفسهم خاصة مع اعتماد السلطات الأوروبية على المقاربة الأمنية في التدقيق في أوضاع اللاجئين وتسريع ترحيلهم الفوري إلى دول أخرى خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، ما يحطم آمالهم في الولوج إلى الدولة الحلم.
على الرغم من أن تلك الإجراءات من شأنها أن تحد من تسرب اللاجئين إلى أوروبا، إلا أنها لا تضمن نجاحًا بنسبة 100% ويضع القبضة الأمنية الأوروبية في اختبار صعب أمام تدفق اللاجئين بطرق غير مشروعة، ويزيد من حالة الاحتقان بين اللاجئين والدول المستضيفة بسبب ما لاقوه من احتجاز وتعسف وهو ما ينبئ بمزيد من الجرائم العابرة للقارات.
قد تجد دول أوروبية – رغم موافقتها على التشريع – في المستقبل أزمة تتعلق بضوابط الميثاق خاصة وأن دولًا كثيرة تعتمد على مهارة الأيدي العاملة من اللاجئين كإيطاليا وفرنسا وألمانيا على سبيل المثال لا الحصر، والذين يحتاجون من وقت لآخر إلى أيدي عاملة من الشباب المهاجر، وبالتالي يحرم الميثاق تلك الدول من تلك الميزة.
لكن على أية حال فإن الميثاق يعد خطة سياسية ونجاحًا مبدئيًا لتطبيق أجندة وأفكار أحزاب اليمين الأوروبي التي جاءت في برامجهم الانتخابية.