المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / الهجرة خيار أو ضرورة!

الهجرة خيار أو ضرورة!

الهجرة خيار أو ضرورة!

شهد العالم في العصر الحديث موجات متعددة من الهجرات، ولعل أشدها كثافة كانت الهجرة من دول أوروبا أبان الحرب العالمية الثانية فقد أدى الاجتياح النازي إلى نزوح الملايين عن أوطانهم بحثا عن الامان و هروبا من الاضطهاد وحتى مع أفول الحركة النازية أدي تقدم قوات الاتحاد السوفيتي إلى نزوح الملايين من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية هربا من الأفكار الشيوعية وقد أدى ذلك الى نشوء منظمات لمساعدة اللاجئين منها المنظمة الدولية للاجئين IRO لإعادة توطينهم في الولايات المتحدة واستراليا وكندا وقد غيرت هذه الهجرة الكثير من الأسس الديموجرافية وساهمت في تغيير بعض المسلمات الثقافية و العادات. 

وفي عالمنا العربي شهدت فترة منتصف التسعينات هجرة من العراق ولكن لم تكن الأسباب الاقتصادية هي السبب الرئيسي فبالرغم من الحصار الاقتصادي في تلك الفترة إلا ان الهجرة لم تكن أسبابها اقتصادية بقدر كونها سياسية فقد شهد العراق فترة قمعية وسطوة للدولة البوليسية وذلك لشعور السلطة الحاكمة خلال تلك الفترة بتعدد المؤامرات لإسقاطها من الداخل في ظل دعم غربي وخليجي لإسقاط النظام مما عزز الاجراءات الامنية ولهذا نجد ان معظم المهاجرين كانوا ذوي خلفية ثقافية وسياسية وقد هاجروا لأسباب الأضطهاد السياسي والتضييق الامني وهذا بالطبع بإستثناء أكراد العراق والذي هاجر معظمهم الي الأقاليم الكردية المحيطة بكردستان العراق .

ولحق ذلك الموجة الكبرى للهجرة خلال العقد الأول والثاني من القرن الواحد وعشرين من سوريا واليمن وليبيا ثم لحقت بهم السودان وكانت الهجرة خلال هذه الفترة إتخذت صورة أوسع وأخذت بعد جغرافي أوسع فقد إنتشر المهاجرين في أرجاء العالم  الا أن التاثير الثقافي والديموجرافي لتلك الهجرات كان محدود ولم يكن هذا التأثير بمستوى حدة تغيير الهجرات التي تمت في النصف الأول من القرن العشرين و بغض النظر عن أسباب محدودية هذا التأثير فاننا نجد ان التيارات اليمينية المتطرفة إستغلت تواجد اللاجئين بإعتبار أنهم الفئة الأضعف وأصبحوا ينادون بخطابات مشابهة للخطابات النازية التي تبث الشعور بالعظمة لدى انصارها و تحصر الحلول للمشكلات الاقتصادية والثقافية والسياسية في اللاجئين ومثلما وجد النازيين غايتهم تتحقق في بث الشعور بتفوق الدم الآري الازرق ووضع الحل بالتخلص من الفئات الأقل المتمثلة في ذوي الإعاقات واليهود والغجر .

وبنفس خطى الحزب النازي تظهر بعض الميليشيات في المانيا تدين بالولاء لليمين المتطرف وتتسع وتجد من المفكرين الذين يروجون لافكارها ويحمون الهجوم عليها فبعد ان ظهرت بواعث الاستنكار والاعتراض علي تلك الدعوات بدافع من الخوف من تكرار مأساة الماضي والتي أدت إلى الحرب العالمية الثانية والتي صاحبها سيطرة النازية على ألمانيا والفاشية على ايطاليا والفلانخية في اسبانيا .

وفي مواجهة هذا الاستنكار نجد من يروج الى أن اللاجئين قد جاءوا بإختيارهم ولأسباب في معظمها إقتصادية وانهم طالبين للرفاهية ولا توجد مبررات لبقائهم ولابد من العمل على عودتهم لأوطانهم.

وقد شغل هذا التساؤل الكثير من اللاجئين وإعادهم للنقطة صفر وهي النقطة التي غالبا تسبق الهجرة فبدلاً من التفكير بالاستقرار وبناء حياة جديدة يظهر التساؤل هل هاجرت بإختياري أم أنني كنت مرغما وكانت هناك ضرورة لهذه الهجرة .

وبالطبع الاجابة على هذا التساؤل صعبة فهي لا تخرج عن أن ظروف كل شخص مهاجر تحكمه ولا يمكن التعميم ووضع قواعد عامة يمكن تطبيقها على كل بلد ولكن بصورة عامة ما الذي يجمع الدول الطاردة لابنائها، هل هو الفقر والظروف الاقتصادية وهل للتغيير المناخي ايضا علاقة بالتدهور الاقتصادي في تلك البلدان نجد ان الاستثناء العربي الوحيد قد يكون في ليبيا وان كان ليس بصورة كبيرة ولكن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعيشها اليمن وسوريا والعراق والسودان ليست ظاهرة حديثة ولكنها موجودة منذ سنوات طويلة.

وتظل الهجرات مستمرة ولكن المغادرة لأسباب اقتصادية دائما تكون مؤقتة و يحاول المهاجر ان تظل صلته موجودة بالوطن أما الهجرات الحالية فتاتي لاسباب اخرى تغلب عليها انعدام الشعور بالأمان وفقدان الامل في المستقبل او غد افضل بالاضافة الى انعدام الحريات وقد إستغلت الفئات الحاكمة في تلك الدول للتلاعب الذي تم بفكرة الديمقراطية والحرية للانقلاب عليها وإبراز عيوبها والعمل على تعطيلها وقد أدى ذلك الى الجمود السياسي وانعدام الأمل في التغيير بل ان ثورات الربيع العربي وما لحقها من خراب وتدهور في تلك الدول أدى إلى استبعاد فكرة التغيير والعمل على محاربتها.

ولعل إنعدام الاحصائيات الدقيقة والتدهور السياسي وعدم وجود إجابة واضحة على هذا التساؤل يجعل اللاجئين العرب في الدول الغربية بين مطرقة الأحزاب اليمينية وسندان شبح عدم الاستقرار .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *