المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / تداعيات رسوم ترامب الجمركية على أوروبا

تداعيات رسوم ترامب الجمركية على أوروبا

تداعيات رسوم ترامب الجمركية على أوروبا

تسبب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية باهظة على كثير من دول العالم بما فيها حلفاءه الأوروبيين في حالة فوضى عارمة في تصريحات الدول الضحايا الواقعة تحت سطوة تلك الرسوم، إذ خص ترامب الصين برسوم جمركية تزيد 34 %، خاصة وأن ترامب سبق أن فرض رسومًا جمركية على الصين بمعدل 20% ليرفع بذلك إجمالي الرسوم الجمركية على الواردات الصينية للولايات المتحدة إلى 54%، فيما جاء الحلفاء الأوروبيين في المرتبة الثانية بمعدل 20%، وهو ما يشي بتغير نبرة التعامل الأوروبي مع الولايات المتحدة في الفترة المقبلة، ويجبرها على اتخاذ طرق أخرى تستبدل بها حالة التبادل الجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تسبب القرار الأمريكي في هبوط كاسح للأسهم الأوروبية بشكل جماعي.

رد الفعل الأوروبي

تشير بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن كلًا من الصين والاتحاد الأوروبي يستحوذان على ما مجموعه ربع إجمالي واردات الولايات المتحدة الأمريكية وذلك خلال عام في 2024 المنصرم، كما تشير البيانات إلى أن الكيانين الاقتصاديين الكبيرين يمثلان مع المكسيك أكبر 3 موردين للأسواق الأمريكية، وهو ما يجعل من قرار ترامب بمثابة كارثة اقتصادية على تلك الدول بالتحديد التي اتسقت جميعها في رد الفعل تجاه القرارات الأمريكية.

وعلى الرغم من سلسلة الإدانات وردود الفعل الغاضبة من الجانب الأوروبي تجاه القرار الأمريكي، إلا أن القرار كشف عن انقسام كبير في الأوساط الأوروبية بين قوى ترغب في الرد على القرار الأمريكي بشكل فوري بفرض رسوم مماثلة على الواردات الأمريكية إلى أوروبا، وبين من يرى ضرورة التأني للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة أولًا قد تسفر عن عدول ترامب عن قرار، وتجنب الصدام مع الرئيس الأمريكي ومن تلك الدول (إيرلندا وإيطاليا وبولندا والدول الإسكندنافية)، لكن أعلنت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية: إن الاتحاد يستعد “لتدابير مضادة أخرى” في حال فشل مفاوضات الرسوم الجمركية الأمريكية. معتبرة أن اللجوء إلى الرسوم الجمركية كأداة أولى وأخيرة لن يُصلح الوضع، على الرغم من قدرة أوروبا على الرد واتخاذ تدابير مضادة”، وهو ما أكده مفوض التجاة بالاتحاد الأوروبي، الذي اعتبر أن دول اوروبا عليها أن تتفاوض أولًا مع ترامب قبل اتخاذ تدابير مضادة.

أما فرنسا – والتي تعتبر قلب أوروبا – فقد تباينت لهجتها إذ اعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضرورة أن تعلق الشركات الأوروبية الشراكات مع الولايات المتحدة حتى يتم “توضيح الأمور” مع واشنطن، فيما شدد على ضرورة استعداد أوروبا للرد بشكل “أكثر شمولاً” على القرارات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية جديدة على بعض الشركاء التجاريين الرئيسيين.

خيارات أوروبا للرد على ترامب

من المرجح أن تُسبب الرسوم الجمركية الجديدة حربًا تجارية عالمية من شأنها أن تؤجج التضخم وتعرقل النمو الاقتصادي للدول المفروض عليها تلك الرسوم، وهو ما تسبب في انخفاض كبير في أسعار النفط وهبوط كاسح للأسهم العالمية، كما من المرجح أن يخفض صندوق النقد الدولي التوقعات الاقتصادية قليلا في تحديثه القادم لتوقعات الاقتصاد العالمي في غضون ثلاثة أسابيع تقريبا، طبقًا لتصريحات المديرة الإدارية للصندوق كريستالينا جورجيفا، وهو ما يجعل أوروبا تنظر إلى ضرورة البحث في خيارات أخرى تتمثل في الأتي:

  • فرض رسوم جمركية مماثلة: إذ أنه في البداية اعلنت دول الاتحاد الأوروبي وكندا بالفعل عن تعريفات جمركية انتقامية على واردات أمريكية ردًا على رسوم ترامب السابقة على الألمنيوم والصلب، وهو ما وصفته صحيفة الإيكونومست بأنها “تدابير وقائية” مسموح بها وفقًا لقوانين منظمة التجارة العالمية. لكن ذلك الإجراء قد يعقد العلاقات بين واشنطن ودول تكتل بروكسل، وهو ما دفع مسؤولين أوروبيين للتريث لحين إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية أولًا لإقناع ترامب إما بالعدول عن قراره تجاه أوروبا أو على الأقل تقليل نسبة الرسوم المفروضة على أوروبا.
  • توسيع الشراكات التجارية: وهو الإجراء الذي قد تلجأ إليه دول أوروبا من خلال إبرام اتفاقات مع دول مثل تشيلي والمكسيك، وفتح آفاق أخرى مع ماليزيا والفلبين، في الوقت الذي تعمل كندا على تسريع مفاوضاتها مع دول الآسيان، لتأمين بدائل قبل أن تتفاقم الحرب التجارية.
  • إحياء اتفاق ميركوسور: وهو اتفاق جرى توقيعه بين الاتحاد الأوروبي ودول أمريكا الجنوبية، وقد تم تعليق العمل بالاتفاق لأكثر من ربع قرن من الزمان، وهو الاتفاق الذي من شانه خلق سوقًا ضخمة تضم أكثر من 700 مليون مستهلك، وسيسهم في إزالة العقبات أمام حركة التجارة الأوروبية ويمنح الشركات الأوروبية ميزة تنافسية في القارة الأمريكية الجنوبية.
  • اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي: وهو الاتفاق الذي تفكر دول أوروبية في الانضمام له، بجانب وجود اتفاقيات شراكة ثنائية بين دول أوروبا ودول صناعية أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية، والصين وغيرها من الدول الصناعية الكبرى.
  • اتفاق قوي مع الحلفاء: وهو الإجراء الذي من شأنه أن يوحد صفوف أوروبا من خلال قدرتها على تشكيل تحالف تجاري مع حلفاءها التجاريين في مناطق الشرق، وهو ما قد يجعلها قادرة على بناء نظام عالمي جديد للتجارة بعيدًا عن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على حركة التجارة العالمية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وجعل الدولار هو العملة التجارية الأهم في العالم طبقًا لاتفاقية بريتون وودز الشهيرة.

خاتمة

في كل الأحوال انطلقت الرصاصة من الولايات المتحدة الأمريكية ولن تعود مرة أخرى، إذ أنه من الصعب أن يتراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره بفرض رسوم جمركية على الحلفاء والمناوئين، وهو ما يضع علاقة ترامب بدول تكتل بروكسل على المحك ويشي المستقبل بمزيد من التوتر بين الجانبين، في الوقت الذي لا تتسق فيه وجهات نظر أوروبا مع أمريكا في قضايا عدة أبرزها الرسوم الجمركية والحرب في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة.

لكن المؤكد أن وضع التجارة العالمية بات يتجه نحو مزيد من الفوضوية إذا لم يتم تشكيل نظام متعدد الأقطاب يمكن دول العالم من تسهيل حركة التجارة بينها وبين بعضها تجنبًا لسيطرة واشنطن عل النظام التجاري العالمي، حيث باتت الساحة ممهدة أمام لعب دول أوروبا والهند والبرازيل والصين دورًا جديدًا في صياغة قوانين جديدة لحركة التجارة العالمية في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *