خطة ألمانية لإعادة السوريين لوطنهم.. الأسباب والتداعيات

على الرغم من كثرة المحاولات الأوروبية للتخلص من اللاجئين في دول التكتل، إلا أن ثمة إجراءات منفردة تقوم بها دول على حدة لتنفيذ المخطط الأوروبي الرامي إلى تقليص عدد اللاجئين في أوروبا، استنادًا على الكثير من التشريعات المرتقب إقرارها كميثاق اللجوء من جانب، ومن جانب آخر تعمل بعض الدول الأوروبية على تبني إجراءات استثنائية كإلغاء قرارات اللجوء لكثير من اللاجئين كما فعلت النمسا، بالإضافة إلى الإجراء الاستثنائي الذي لجأت له ألمانيا بالتفاوض مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لإعادة اللاجئين السوريين في دول أوروبا إلى سوريا بلا رجعة، وهو ما يفسر الرغبة الملحة لحكومات أوروبا للتخلص من اللاجئين الموجودين على أراضيها.
محددات الخطة الألمانية
تشير صحيفة بيلد الألمانية التي نقلت عن وزير الداخلية الألمانية نانسي فايسر تصريحات تتعلق بالخطة الألمانية للتخلص من اللاجئين السوريين إلى أنها تقوم على عدة محددها وهي:
أولًا: الخطة تأتي منفردة بين ألمانيا والإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، إذ أعلنت فايسر أن الحكومة الاتحادية على اتصال بالشرع لمناقشة قضايا عودة السوريين مرة أخرى، فيما لم تعلن عن تفاصيل دقيقة لطبيعة سفر السوريين.
ثانيًا: كشفت الصحيفة عما أسمته “رحلة استكشافية” للاجئين السوريين، وهو ما يشير إلى أن الحكومة الألمانية قد تعرض على السوريين إجراء رحلة إلى وطنهم تكون عبارة عن استكشاف للأوضاع الأمنية هناك، وفي ظل تلك الرحلة قد تلجأ ألمانيا إلى وضع قيود تشديدية لمنع السوريين الراغبين بالعودة لألمانيا مجددًا من الدخول إلى الأراضي الألمانية، على أن تكون تذكرة السفر تذكرة ذهاب بلا عودة. وهو ما أكدته الصحيفة في أحد تقاريرها نقلًا عن وزارة الداخلية الألمانية التي ذكرت أنها تجري بالتعاون مع المكتب الاتحادي للهجرة أن هناك ترتيبات للسماح للسوريين بزيارة لمرة واحدة لسوريا.
ثالثًا: ترى الحكومة الاتحادية في ألمانيا أن السوريين السنة لم يعد هناك خوفًا عليهم خاصة بعد أن اعتلى السلطة في البلاد رئيس يدين بالمذهب السني، بالمقارنة بما كان يتعرض له السنة خلال فترة حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، غير أن الحكومة الاتحادية ولا الصحيفة الناقلة لنبأ المفاوضات الجارية لم تفسر تداعيات ذلك على السنة العلويين المتواجدين على الأراضي الألمانية، في ظل ما يتعرض له العلويين في مناطق الساحل السوري، والذين تعرضوا لعمليات قتل ممنهج من قبل ميليشيات تابعة لإدارة العمليات العسكرية في الإدارة السورية الجديدة.
سيناريوهات ما وراء الخطة الألمانية
تستهدف الخطة الألمانية لإعادة السوريين إلى وطنهم تحقيق عدة سيناريوهات وهي:
1- التخفيف على الاقتصاد الألماني: إذ ستعمل الحكومة الاتحادية على تعزيز عودة ما يزيد يقرب من مليون لاجئ سوري، إذ تكشف الإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية الألمانية أن البلاد يقطنها حوالي 974 ألف مواطن سوري، وهو ما يضغط على برامج الحماية الاجتماعية والاقتصاد الألماني، حيث يتلقى أكثر من نصف مليون سوري في ألمانيا إعانات تتجاوز قيمتها 4 مليارات يورو سنويًا. حيث يحصل الفرد في المتوسط شهرًا على ما يزيد عن 664 يورو.
2- عودة العلاقات الدبلوماسية بين برلين ودمشق: حيث تدرس ألمانيا إعادة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين سوريا بشكل كامل بعد فتح سفارتها في دمشق تزامنا مع زيارة لوزيرة الخارجية أنالينا بيربوك يوم الخميس الماضي مجددًا، بعد أن أغلقتها في أعقاب الأحداث الدامية التي شهدتها سوريا في عام 2012، حيث تتولى – في مقابل تنفيذ الخطة الألمانية – بعثة دبلوماسية مهمة الترتيب لإعادة فتح السفارة الألمانية في سوريا، وهو ما يضفي الشرعية على الحكومة الانتقالية السورية، وهو ما يحتاجه الشرع ورجاله في الفترة المقبلة، إذ يعد التأييد الدولي بمثابة الكفة الراجحة لاستمرار وجوده في المشهد السياسي السوري، إذ من المرتقب أن يعقب القرار الألماني بعودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا قرارات مماثلة لدول أخرى سحبت بعثاتها الدبلوماسية في أعقاب الحرب الأهلية هناك.
3- دعم مالي ألماني للحكومة السورية الجديدة: بالتأكيد سيسهم إعادة اللأجئين السوريين من ألمانيا التي ضمت أكبر عدد من اللاجئين بالمقارنة بدول أوروبا، في الإعلان عن دعم مالي كبير للحكومة السورية الجديدة، وهو ما قد يمثل للحكومة السورية بارقة أمل وطوق نجاة يمكنها من الحصول على موارد مالية بالنقد الأجنبي ما يسهم في تحسين الآداء الاقتصادي لها، ويعزز مركزها أمام المواطنين السوريين في المرحلة المقبلة، خاصة وأن ألمانيا في مقابل تنفيذ بنود الخطة وعدت بتقديم ما أسمته “مساعدات تنموية” مقابل إجراء انتخابات حرة في سوريا والخروج من المرحلة الانتقالية الحالية إلى مرحلة أكثر استقرارًا، كما وعدت ألمانيا سوريا بتقدم ما يعادل 300 مليون يورو ستقدمهم ألمانيا بالتعاون مع مجموعة من المنظمات للأمم المتحدة لتقديمهم للشعب السوري في صيغة مساعدات في عدة مجالات أبرزها توفير الغذاء والخدمات الصحية وملاجئ الطوارئ، بالإضافة إلى تدابير الحماية للفئات الأكثر ضعفا، طبقًا لما ذكرته وزارة الخارجية الألمانية.
4- تقوية مركز الإدارة السورية الجديدة: حظيت الحكومة السورية الجديدة – بالرغم من كونها ذات خلفية نابعة من تنظيم متطرف – بالكثير من الدعم العالمي، إلا أن الاتصالات الألمانية مع دمشق وغيرها من الاتصالات التي تجري في سبيل إعادة اللاجئين مقابل الحصول على امتيازات سياسية ودبلوماسية أو حتى مالية تسهم بشكل كبير في تعزيز نفوذ الإدرة السورية الجديدة، وتدعم موقفها سواء في الداخل أو الخارج، في ظل حصدها اعترافًا كبيرًا من حكومات العالم، فضلًا عن الاتصالات التي تجري بين تلك الحكومات والإدارة الانتقالية في سوريا، والتي بلاشك ستكون هي الإدارة النافذة في السياسة السورية خلال المرحلة المقبلة.
خاتمة:
بلا شك تسهم الخطة الألمانية في تقليص وتقويض الالتزامات المالية التي تقدمها ألمانيا للسوريين على أراضيها، إذ لا يمكن مقارنة ما يمكن أن تقدمه ألمانيا في صورة دعم مالي للسوريين من خلال الأمم المتحدة بمبلغ 300 مليون دولار، بما تقدمه حاليًا للسوريين المتواجدين على أراضيها والذين تدرجهم ضمن برامج الرعاية الاجتماعية، والتي تقدر بمبلغ 4 مليار يورو سنويًا، إذ أنه في حال نجاح ألمانيا في تنفيذ خطتها لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم فإنها ستوفر ما يزيد عن 3 مليار و700 مليون دولار.
يمكن أن تحذو بقية الدول الأوروبية حذو ألمانيا، ليس فقط في إعادة اللاجئين السوريين، بل في إعادة كل اللاجئين من مختلف الجنسيات، من خلال التفاوض مع الحكومات بشكل مباشر لإيجاد صيغة ملائمة لإعادة مواطني الدول الطاردة إلى أوطانهم، على الرغم من الأحداث التي تشهدها تلك الدول، على أن يكون الاستناد إلى “ميثاق اللجوء الأوروبي” بإجراءاته الصعبة والمتشددة في ملاحقة اللاجئين إجراءً إضافيًا يضاف لجهود دول أوروبا وحكوماتها التي تشكلت من صعود أحزاب اليمين المتطرف التي تدعم بشكل كبير خروج اللاجئين من أوروبا وتحديدًا اللاجئين العرب والمسلمين، في إطار برامج تلك الأحزاب المتمثلة في رغبتها في الحفاظ على الهوية الأوروبية، والحد من جرائم تورط فيها مهاجرين كجرائم الدهس والطعن، وهو ما نادت به في برامجها الانتخابية.
قد تلجأ الحكومة الألمانية استنادًا على محددات الخطة إلى تأجيل البت في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين بشكل مؤقت، لحين النظر في تفاصيل الخطة وإجراءاتها التنفيذية، خاصة وأن الحكومة الألمانية قسمت أوضاع الحماية للاجئين إلى وضع أساسي ووضع فرعي، ويحمل أكثر من 300 ألف شخص، وهم من حصلوا على قرار اللجوء بسبب الحرب وليس بسبب الاضطهاد الشخصي ضدهم من الحكومة السورية السابقة، إذ قد تبدأ ألمانيا بترحيل هذا العدد أولًا وبعدها تبدأ النظر في اللاجئين الحاصلين على الأوضاع القانونية لديها.