المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / تأثير حضور حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني في الانتخابات المقبلة

تأثير حضور حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني في الانتخابات المقبلة

تأثير حضور حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني في الانتخابات المقبلة

يسعى حزب “البديل من أجل ألمانيا” المحسوب على تيار اليمين المتطرف إلى اقتناص أكبر  قدر من الأصوات في الانتخابات التشريعية المرتقب أن تجري في الثالث والعشرين من شهر فبراير المقبل، كما يدفع الحزب برئيسته أليس فايدل للمنافسة على منصب المستشار الألماني خلفًا لأولاف شولتس الذي قرر البوندستاج “البرلمان الألماني” سحب الثقة منه مؤخرًا، ليفتح ذلك الباب أمام بروز نجم أقصى اليمين في ألمانيا للعودة للساحة السياسية والتشريعية في البلاد بعد عقود من التهميش.

المشهد السياسي الألماني

تشير التقديرات إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا يأتي في المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي التي أجراها “معهد يوجوف لأبحاث الرأي” للمواطنين الألمان بشأن التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة بمعدل 22% من أصوات العينة العشوائية التي جرى عليها الاستطلاع، حيث حل في المرتبة الثانية بعد حزب المحافظين الذي حظي بـ 30% من دعم الناخبين، إلا أن تلك النتيجة تجعل حزب البديل من أجل ألمانيا من أبرز الأحزاب السياسية المتقدمة في استطلاع رأي الناخبين، ما قد يعزز من فرص نجاحه في تلك الانتخابات.

وعزز ذلك نجاح حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات الإقليمية التي أجريت في ولاية تورينجا الواقعة شرق ألمانيا وهي معقل الحزب اليميني هناك، ما يدلل على أن تحركات الحزب في مناطق شرق ألمانيا كانت تصب في صالحه، علاوة على وجود أصوات في مناطق الغرب تقبل بأفكار الحزب التي تصب في السياق العام للمزاج الأوروبي الجديد الذي يتقبل أفكار اليمين المتطرف، والرافض لفكرة تقبل اللاجئين، والداع إلى ترحيلهم وإغلاق الحدود أمامهم، علاوة على فكرة التخوف من “الإسلاموفوبيا” وغيرها من الأفكار التي صعد على أكتافها أحزاب اليمين في عدة دول أوروبية أخرى كان أخرها النمسا.

أفكار “البديل من أجل ألمانيا”

لا تنفصل أفكار حزب “البديل من أجل ألمانيا” وبرنامجه الانتخابي عن الأفكار والتوجهات التي سارت عليها أحزاب اليمين في أوروبا كافة، إذ يأخذ الحزب على عاتقه مهمة رفض الهجرة أو بالمصطلح الألماني “إعادة الهجرة” وهو المصطلح الذي استخدمه منظر اليمين المتطرف الألماني بيورن هوكه، للإشارة إلى ردّ كلّ المهاجرين غير النظاميين وغير الحائزين على الوثائق اللازمة لبقائهم في ألمانيا، علاوة على تنفيذ عمليات طرد واسعة النطاق للاجئين، فضلًا عن رغبة الحزب – حال فوزه في الانتخابات التشريعية المقبلة – في الانسحاب من نظام اللجوء المعتمد في الاتحاد الأوروبي وما قد ينتج عنه من تشريعات مرتقبة تتعلق باللجوء والمهاجرين.

كما يعد حزب البديل من أجل ألمانيا بضرورة العمل على الإسراع بالخروج من الاتحاد الأوروبي والتخلي عن العملة الأوروبية الموحدة “اليورو”، على أن تستبدل التكتل الأوروبي بما أسماه الحزب “أوروبا الأوطان”، وهي فكرة تقوم على إنشاء سوقا مشتركة بين الدول التي تتضامن معها سواء كانت عضوًا بالاتحاد أم خرجت منه، على أن يجمعهم مصالح اقتصادية فقط.

وبالإضافة إلى ذلك ينشط الحزب في رفض استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، كما يرغب في استعادة العلاقات مع موسكو من أجل استعادة ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا مرة أخرى وإلى ألمانيا بالتحديد التي كانت تستورد الغاز من روسيا قبيل تضرر خط الغاز “نوردستريم” الذي يربط بين موسكو وبرلين، جراء انفجار وقع بمجرد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ باتت تشتري ألمانيا الغاز من الولايات المتحدة الأمريكية بأثمان باهظة، لكن على الرغم من ذلك تبدو فكرة وقف تمويل أوكرانيا عسكريًا أحد الأفكار الدعائية والانتخابية التي يستخدمها المرشحون، حيث عبر أولاف شولتس أيضًا عن رفضه تمويل شحنات عسكرية ألمانية إلى أوكرانيا، وذلك خلال فعالية انتخابية جرت في مدينة بيلفيلد.

الانتخابات وأزمة تشكيل الحكومة

ما تزال أمام حزب البديل من أجل ألمانيا تحديات كبيرة إزاء النجاح في الانتخابات التشريعية الألمانية، خاصة في ظل بروز ظاهرة الاعتصامات والتظاهرات المناهضة لأفكار الحزب مؤخرًا خلال المؤتمرات التي يعقدها من وقت لأخر في عدة ولايات ألمانيا، إذ كشفت تقديرات الشرطة الألمانية في مدينة ريزا التابعة لولاية ساكسونيا عن احتشاد ما يعادل 10 ألاف شخص خلال مؤتمر انتخابي لحزب البديل من أجل ألمانيا، والتي ترفض البرنامج الانتخابي للحزب اليميني الألماني البارز، على الرغم من أن ولاية ساكسونيا تعد أحد أهم المعاقل الانتخابية لحزب البديل، إذ حصد فيها الحزب حوالي 24.6 %  من أصوات الناخبين في الانتخابات الإقليمية الأخيرة.

كما كشفت الشرطة الألمانية في الولاية نفسها عن تحضيرات لإجراء وقفات احتجاجية ضد فعاليات انتخابية لحزب البديل في حوالي 70 مدينة، حيث كشفت أيضًا تحقيقات الشرطة عن ترتيبات لمجموعات صغيرة لغلق الطرق السريعة في مدينة ريزا بولاية ساكسونيا لوقف تمدد أفكار الحزب اليميني إلى ولايات أخرى.

وقد تشير تلك التظاهرات التي يبدو أنها تتحرك بترتيب مع أحزاب أخرى تتنافس ضد حزب البديل إلى رفض معلن من قبل بعض الأحزاب الألمانية الأخرى التفاعل مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” خلال مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، إذ استبعد المعسكر اليميني واليساري في البلاد إمكانية التحالف مع اليمين المتطرّف لتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات المرتقبة، حيث أعلن مرشح المعارضة الألمانية لمنصب المستشار الألماني فريدريش ميرتس، رفضه لأي توافق مع حزب البديل أو مشاركته في حكومة تضم الحزب.

علاوة على ذلك فإن ما أثير مؤخرًا من كشف عن محادثة مسربة جرت بين الملياردير الأمريكي الشهير إيلون ماسك مع مرشحة حزب البديل من أجل ألمانيا لمنصب المستشار الألماني أليس فايدل ردود فعل واسعة النطاق، إذ اعتبر البعض أن ماسك أو بالأحرى الولايات المتحدة الأمريكية تتدخل بشكل مباشر في الانتخابات الألمانية، خاصة وأن ماسك دعا المواطنين الألمان للتصويت بقوة لصالح حزب البديل، مع وعود بضرورة خفض الضرائب عن المواطنين، ووقف عمليات الهجرة المكثفة إليها، وعودة العمل بمحطات الطاقة النووية الألمانية.

خاتمة

يمتلك حزب البديل من أجل ألمانيا فرصًا واعدة للفوز في الانتخابات التشريعية الألمانية المقبلة في فبراير من العام الجاري، وقد اتسقت مواقف حزب البديل من أجل ألمانيا مع السياق العام الأوروبي الجديد، بعد صعود نجم اليمين المتطرف في دول أوروبا كافة، إلا أن حزب البديل من أجل ألمانيا كما أنه يحمل فرصًا واعدة للفوز، فإنه يحمل أيضًا فرصًا بالإخفاق في ظل ما أثير عن وجود تظاهرات ترفض أفكار حزب البديل وهو ما يضع مستقبل الحزب في الانتخابات على المحك، ويستوجب زيادة الحملات الانتخابية في ولايات عدة والتخفيف من حدة مخاوف الألمان بشأن الاقتصاد، مع وعود بخفض الضرائب ووقف الإنفاق العسكري على أوكرانيا، وهو ما قد يرفع من رصيد الحزب في الانتخابات.

تقوم فكرة “أوروبا الأوطان” التي أعلنها حزب البديل على كونها رسالة من ألمانيا الجديدة ما بعد فوز حزب البديل والتي تقوم على فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي على رفض التدخل في النزاعات العسكرية التي يتورط فيها حلف شمال الاطلسي “الناتو” برغبة أمريكية، وما يتطلبه ذلك من زيادة في الضرائب على المواطنين لصالح الإنفاق على التسليح، غير أن فكرة خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي نفسها من الصعب تنفيذها إلا إذا عدلت ألمانيا في دستورها الذي ينص في جوهره على كون ألمانيا جزءً لا يتجزأ من الاتحاد الأوروبي.

تلف التظاهرات التي تظهر من وقت لأخر الأنظار تجاه برنامج حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو البرنامج الذي قد يجذب إليه الكثير من المواطنينن والذي يعتمد على مطالبات سبق أن طالب بها سكان أوروبا بمجرد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي تسببت في تداعيات كثيرة على الاقتصاد واللاجئين العرب ومواطني شرق أوروبا، وهو ما قد يشير إلى إمكانية نجاح الحزب في الانتخابات المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *