المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / وفاة اليميني ماري لوبان وتأثيره على المشهد الأوروبي

وفاة اليميني ماري لوبان وتأثيره على المشهد الأوروبي

وفاة اليميني ماري لوبان وتأثيره على المشهد الأوروبي

أثارت وفاة أحد أبرز قيادات اليمين المتطرف في أوروبا جان ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا، ردود فعل واسعة النطاق، تختلف في سياقها عن مسألة النجاح الساحق الذي حققته أحزاب اليمين في عدة دول أوروبية، إذ على الرغم من ذلك النجاح الكبير لتلك الأحزاب التي بدأت تشكل الحكومات في دول أوروبية كثيرة، إلا أن تظاهرات خرجت في عدة دول أوروبية كان أبرزها فرنسا والنمسا وبريطانيا ترفض سياسات اليمين الأوروبي في القارة العجوز.

تسلسل أحداث

شهدت عدة مقاطعات في مدن مختلفة بأوروبا تظاهرات واحتفالات رافضة لسياسات اليمين المتطرف، كان أبزرها ما حدث في فرنسا والنمسا وألمانيا والتي جاء تسلسل أحداثها على النحو التالي:

  • فرنسا ووفاة جان ماري لوبان

بمجرد الإعلان عن وفاة اليميني الفرنسي ماري لوبان، انطلقت تظاهرات في عدة مدن فرنسية تعبر عن سعادة المشاركين فيها بوفاة لوبان، خاصة في الأوساط الشبابية، إذ احتشد الألاف من المحتفلين في ساحة الجمهورية الشهيرة وسط العاصمة الفرنسية باريس، وكذلك في ساحة دي تيرو بمدينة ليون، وانتشرت التجمعات الاحتفالية في عدة مناطق بباريس، كما أطلق المحتفلين الألعاب النارية ابتهاجًا بوفاة أحد أبرز الأسماء في تاريخ اليمين الفرنسي على الإطلاق.

وتسببت تلك الاحتفالات العارمة في تنديد رسمي من وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الذي وصف تلك الاحتفالات بأنها غير مبررة وأنها جاءت كرقص على جثة، مطالبًا المتظاهرين والمحتفلين بضبط النفس بعد أن أعلنوا عن ابتهاجهم بوفاة أحد السياسيين البارزين.

  • تظاهرات ضد اليمين في النمسا

وفي النمسا شهدت البلاد تظاهرات عارمة رفضًا لقرار الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلين، والذي بموجبه تقرر إسناد تشكيل الحكومة النمساوية الجديدة إلى هيربرت كيكل رئيس حزب الحرية اليميني في النمسا، وهو ما تسبب في أن استعان كيكل بحراسة خاصة مكونة من فرقة من قوات العمليات الخاصة “كوبرا” خلال لقاءه بالرئيس النمساوي.

التظاهرات العارمة التي شهدتها النمسا جاؤت رافضة لتشكيل حكومة يمينية متطرفة في البلاد، في أعقاب فوز حزب كيكل بالانتخابات الأخيرة التي جرت في النمسا، إذ حصل حزب الحرية اليميني على المركز الأول في الانتخابات التشريعية التي جرت في شهر سبتمبر الماضي.

  • تظاهرات رافضة لليمين في لندن

انضمت مدن بريطانية إلى المدن الرافضة لسياسيات اليمين المتطرف في القارة الأوروبية إذ شهدت المدينة البريطانية الأهم “لندن” خلال شهر أغسطس الماضي تظاهرات عارمة ترفض الخطاب السياسي لأحزاب اليمين المتطرف، كما ترفض سياسات التظاهرات الداعمة لسياسات اليمين، والتي نظمتها أحزاب يمينية، حيث تجمع المتظاهرون الرافضون لأحزاب اليمين أمام مقر حزب الإصلاح اليميني والذي يقوده نايجل فاراج، وهو الذي كان يرأس حزب “بريكست” الذي دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما حمل المتظاهرون الرافضون لسياسات اليمين المتطرف فاراج ورفاقه مسؤولية التظاهرات التي انطلقت مؤخرًا لدعم اليمين وما نتج عنها من أعمال شغب، حيث استهدفت تلك التظاهرات الداعمة لليمين الاعتداء على أماكن خاصة بالمهاجرين ومساجد وسيارات شرطة.

وقد تراوحت تصريحات المتظاهرين بين رفضهم لما وصفوه بـ”هراء اليمين المتطرف” في شوارع بريطانيا، وطالبوا فاراج بأن “يخرس عن إشعال نار الكراهية” كما اعتبروا أن اليمين المتطرف خطر على البلاد إذ عارضوا سياسة التمييز والعنصرية و”الإسلاموفوبيا”.

تظاهرات بمثابة رسائل أوروبية لليمين

تمثل تلك التظاهرات التي ترفض سياسات اليمين المتطرف رسالة سياسية مهمة لأحزاب اليمين في أوروبا، في ظل رسائل شديدة القسوة تجاه المهاجرين، إذ تتفنن أحزاب اليمين في إبرام التشريعات التي تحد من دخول المهاجرين دول أوروبا، وهو الإجراء الذي يتناغم من سياسات اليمين، إلا أن له تأثيرات سلبية على اقتصاد بعض الدول الأوروبية كألمانيا على سبيل المثال لا الحصر، التي تحتاج لليد العاملة الماهرة وخاصة اليد العاملة العربية التي لجأت إلى ألمانيا الصناعية الكبرى في أعقاب الأحداث التي شهدتها دول الشرق الأوسط. إذ صدر تقدير موقف عن معهد “كيل للاقتصاد العالمي” أن ألمانيا بالتحديد تحتاج إلى مليون مهاجر لحل أزمة نقص العمالة الماهرة، وهو التقدير الذي اتفق مع ما جاء في تقرير لجنة “حكماء الاقتصاد” الألمانية بأن البلاد تحتاج إلى 1,5 مليون مهاجر سنويًا للحفاظ على عدد القوة العاملة.

وتعد التظاهرات العارمة في عدة مدن أوروبية بمثابة رسالة تتعلق برفض المحتوى السياسي والبرامج السياسية التي تتسم بالعداء مع العرب وتعظم من المخاف الخاصة بفكرة الإسلاموفوبيا، وهو ما قد يتسبب بشكل مباشر في تزايد معدل جرائم الطعن والدهس في دول أوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الأحداث التي تزايدت قبيل الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على احتمال زيادة حدة التنافر بين شعوب الشرق الأوسط ودول أوروبا، في ظل تعاظم ظاهرة العداء للمهاجرين وترسيخ فكرة “الإسلاموفوبيا”.

كما يمكن أن تتزايد حدة التظاهرات في الفترة المقبلة في أوروبا بالتزامن مع صعود نجم اليمين المتطرف والذي تطالب أحزابه بانفصال الدول المكونة للاتحاد الأوروبي كتكتل سياسي عن بعضها البعض، وهو ما قد يضعف من الدول الأوروبية إذا تحركت بشكل منفرد، في ظل سياسات أمريكية استعلائية على الجميع بما فيها أوروبا.

خاتمة

تبشر تلك التظاهرات الرافضة لسياسات اليمين الأوروبي بحالة من الانقسام الشعبي الذي قد تشهده دول أوروبا خلال الفترة المقبلة، في ظل رفض عارم وكبير لبعض ما جاء في برامج أحزاب اليمين الأوروبي في عدة عواصم، بالإضافة إلى محاولة تلك الاحزاب التي اعتلت السلطة في فصل أوروبا عن العالم من خلال رفض دخول المهاجرين من جانب  بالإضافة إلى رفض مساندة أوكرانيا ودول شرق أوروبا في حربها ضد روسيا وتقدمها في عدة مناطق واستحواذها على 4 أقاليم استراتيجية في شرق أوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *