هل يتوه المهاجر بين أحزاب التطرف والشعارات؟

ابوبكر باذيب
المشاركة في الانتخابات البرلمانية: صوت المهاجرين بين التأثير والتفتيت
تُعدّ المشاركة في الانتخابات البرلمانية من أبرز مظاهر الوعي الديمقراطي والمسؤولية المجتمعية، لا سيما في المجتمعات التي تضم أقليات ومهاجرين يسعون إلى تعزيز حضورهم السياسي وصون حقوقهم المدنية. وفي السياق الأوروبي، تكتسب هذه المشاركة أهمية مضاعفة في ظل تصاعد الخطاب اليميني المتطرف الذي يستهدف المهاجرين، خصوصًا المنحدرين من أصول عربية ومسلمة.
المشاركة ليست خيارًا رمزيًا بل وسيلة دفاع
الانتخابات ليست مجرّد مناسبة لإبداء الرأي، بل أداة عملية لتحديد موازين القوى داخل البرلمان، وبالتالي داخل الحكومة. فكل صوت يمنح لأحزاب تدعم قيم العدالة والمساواة والتعددية الثقافية هو استثمار في بيئة أكثر إنصافًا للمهاجرين والأقليات. وفي المقابل، فإن العزوف عن التصويت أو التشتت بين خيارات غير واقعية يترك الساحة فارغة أمام التيارات الشعبوية التي تستغل الخوف وتغذّي خطاب الكراهية.
العرب والمسلمون: كتلة قادرة على التأثير
في العديد من الدول الأوروبية، باتت الجاليات العربية والمسلمة تشكّل نسبة معتبرة من الناخبين، خصوصًا في المدن الكبرى. هذه الكتلة الانتخابية، لو توحّد صوتها واتجه نحو الأحزاب المؤثرة ذات البرامج الواقعية، يمكن أن تغيّر المعادلة السياسية بشكل حقيقي. لكن التحدي يكمن في تشرذم الأصوات بين أحزاب صغيرة أو شخصيات مستقلة ترفع شعارات قريبة من وجدان المهاجرين، لكنها تفتقر إلى القدرة السياسية أو البرلمانية على تحقيق أي تأثير فعلي.
الأحزاب الصغيرة بين النية الطيبة والنتيجة السلبية
تجذب بعض الأحزاب الصغيرة أو المستقلة أصوات المهاجرين عبر شعارات مثالية: الدفاع عن الإسلاموفوبيا، أو رفع الصوت ضد التمييز، أو تمثيل “العرب والمسلمين في البرلمان”.
ورغم نُبل بعض هذه التوجهات، إلا أن الواقع الانتخابي يُظهر أن هذه الكيانات نادراً ما تحقق التمثيل الحقيقي للشعارات التي تطلقها، ما يعني عمليًا أن الأصوات التي ذهبت إليها تُحتسب في النهاية كأصوات مهدورة — تُضعف الكتل التقدمية وتُسهم عن غير قصد في تقوية اليمين المتطرف.
هل التصويت للأحزاب الصغيرة يضعف مواجهة اليمين؟
الإجابة الواقعية: نعم، في الغالب.
في الأنظمة البرلمانية الأوروبية، القوة السياسية تُقاس بعدد المقاعد التي يمكن للحزب أن يحققها داخل البرلمان، وهو ما يُترجم لاحقًا في مفاوضات تشكيل الحكومة.
عندما تتوزع أصوات الناخبين الداعمين للتنوع والعدالة الاجتماعية بين أحزاب صغيرة لا تملك فرصة حقيقية للفوز، فإن ذلك يقلّص من مجموع المقاعد التي يمكن أن تذهب للأحزاب الكبرى القادرة على تشكيل تحالفات تُوقف تمدّد اليمين المتطرف.
بعبارة أخرى، كل صوت يذهب إلى حزب صغير غير مؤهل لتجاوز نسبة الحسم هو صوت إضافي يخسره الطرف القادر على ايقاف تطرف اليمين، لذلك، من منظور استراتيجي، فإن دعم الأحزاب ذات الحضور القوي التي تتبنى برامج واضحة في الدفاع عن المهاجرين والتعددية، هو الطريق الأنجع لمواجهة النزعات العنصرية وتحصين المكتسبات.
نحو وعي انتخابي جماعي
المشاركة الواعية لا تعني فقط التوجّه إلى صناديق الاقتراع، بل فهم طبيعة النظام الانتخابي، ومعرفة من يملك القدرة الفعلية على التأثير في السياسات العامة. الوعي الجمعي للمهاجرين والأقليات، إذا ترافق مع حسّ استراتيجي في التصويت، يمكن أن يحوّلهم من فئة متأثرة إلى فاعل سياسي أساسي، يسهم في بناء مجتمع أكثر عدلاً وتنوعًا.
في المحصلة التصويت ليس مجرد موقف عاطفي، بل قرار استراتيجي له تبعات واقعية. المشاركة ضرورية، لكن الأهم هو التصويت الذكي: دعم الأحزاب التي تملك أدوات واقعية للتأثير، لا تلك التي تكتفي برفع الشعارات. فبذلك فقط يمكن للأقليات العربية والمسلمة أن تحمي مصالحها وتدعم الاتجاهات الديمقراطية في مواجهة المد اليميني المتطرف.

 
 


