المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / مستقبل اللاجئين في هولندا

مستقبل اللاجئين في هولندا

مستقبل اللاجئين في هولندا

 

قررت وزيرة اللجوء والهجرة الهولندية مارجولين فابر عدم إرسال أي مشاريع قوانين جديدة تتعلق باللاجئين في هولندا إلى البرلمان الهولندي لإقراره هذا العام، وهو القانون الذي يسمى “قانون إجراءات الطوارئ للجوء” والذي يعد بمثابة البديل عن “قانون الطوارئ للجوء”، الذي توصلت إليه أحزاب PVV وVVD وNSC وBBB، إذ لجأت الوزيرة الهولندية لإعادة التفاوض على القانون مرة أخرى بعد التحفظات التي أبداها حزب NSC بشأن القانون، حيث رفض اتخاذ تدابير سريعة بشأن اللجوء دون المرور عبر مجلس النواب.

وانتاب اللاجئون في مملكة هولندا الشكوك حول مستقبلهم في الفترة المقبلة، بسبب ما أعلنته حكومة ديك شوف رئيس وزراء هولندا بضغط من خِيرت فيلدرز رئيس حزب الحرية المحسوب على اليمين المتطرف، من نيتهما تطبيق “حالة الطوارئ” بشأن اللاجئين الموجودين على أراضي هولندا، والتي بموجبها ستخالف هولندا قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن استقبال اللاجئين على أراضيها، يدعمها في ذلك تحركات وزيرة اللجوء الهولندية مارغولين فابر التي تقدمت بطلب للمفوضية الأوروبية تطلب في الانسحاب من اتفاقيات اللجوء التي وافق عليها الاتحاد بالإجماع في مراحل تكوينه.

وقد جاء ذلك الموقف من الجانب الهولندي بعدما سجلت البلاد زيادة ضخمة في عدد طلبات اللجوء، والتي تزايدت بمعدل 60% عن العام المنصرم 2023، حيث تقدم أكثر من 46 ألف شخص من طالبي اللجوء بأوراقهم إلى الجهات الرسمية المسؤولة في هولندا لتقنين أوضاعهم والحصول على الإقامة الكاملة، وهو ما يضغط على ما تقدمه المملكة للسكان الأصليين في ظل شكاوى حكومية بضعف الموارد المالية، والتي باتت عاجزة عن توفير متطلبات السكان في ظل تزايد أعداد اللاجئين كل عام بنسب كبيرة.

وعلى الرغم من الضوابط التي سبق وأن وضعها الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين بالتحديد، إلا أن تلك الضوابط والقوانين والاتفاقيات قد تجافي الواقع بعد مرور الوقت، خاصة مع تزايد حدة الصراعات المسلحة في مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا والتي دفعت بأعداد مهولة من اللاجئين إلى أوروبا ومنها هولندا، وهو ما دعا المملكة لإعادة النظر في مدى استفادتها من قوانين تكتل بروكسل بشأن اللاجئين على وجه التحديد.

وتستهدف هولندا من إعلان حالة الطوارئ الخاصة باللاجئين الوصول إلى نتائج وأهداف محددة، وأبرز تلك الأهداف ما يلي:
1- ضمان وفاء الحكومة بتنفيذ تعهداتها والتزاماتها القانونية والدستورية بشأن توفير المسكن والتعليم والخدمات الأخرى المهمة لمواطنيها، خاصة بعد أن لجأت الحكومة الهولندية إلى تجهيز السجون الفارغة من المجرمين لإيداع اللاجئين فيها بسبب أزمة السكن.
2- التخفيف من الضغوط على الحكومة الهولندية نتيجة زيادة أعداد سكان المملكة إلى ما يزيد عن 18 مليون نسمة، وهو عدد كبير يشير إلى تسارع زيادة أعداد السكان نتيجة الهجرة واللجوء.
3- التوقف عن إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
4- التشدد في تصاريح لم شمل الأسرة لمن صلوا على تصاريح اللجوء خلال الفترة الماضية
5- ترحيل اللاجئين ومن ارتكبوا جرائم إلى بلادهم
6- رفع عدد السنوات المطلوبة لمنح الإقامة والجنسية
7- تخفيض عدد اللاجئين الذين يصلون إلى هولندا والذين يبلغ عددهم حوالي 40.000 لاجئ كل عام.

ومن أجل تنفيذ هولندا لتلك الأهداف فإنها قد تلجأ إلى سيناريوهات عدة تتلخص فيما يلي:
السيناريو الأول: التنسيق مع الدول التي تتماهى في مطلبها مع مطلب هولندا بتعديل قوانين اللجوء في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا، لتشكيل نوع من الضغط على الاتحاد لتنفيذ أجندة تلك الدول، خاصة بعدما فرضت ألمانيا ضوابط صارمة على حدودها لمنع دخول اللاجئين إلى البلاد، ما يشير إلى احتمالية تزايد الأصوات المطالبة بتعديل قوانين اللجوء في أوروبا.

السيناريو الثاني: اتخاذ خطوات منفردة من جانب هولندا أو بعض الدول المتسقة في مطلبها مع مطلب هولندا كألمانيا وبولندا والمجر، وبالتالي تتحرك كل دولة بشكل منفرد فيما يتعلق بقضية اللجوء على وجه التحديد، ويستند هذا السيناريو على احتمالية إصدار مرسوم ملكي بتنفيذ القانون أسوة بما حدث خلال فترة تفشي جائحة كورونا، حيث صدرت قوانين إستثنائية بعيدًا عن قوانين الاتحاد الأوروبي لمواجهة المرض وقتها.

السيناريو الثالث: قد تطلب هولندا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بمعية الدول الرافضة للبقاء داخل التكتل، لتحصل على حريتها في اتخاذ قراراتها التي لا تتسق مع قوانين وضوابط الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بقوانين اللجوء، في ظل أن محاولة تغيير الأحكام الأساسية والقوانين والضوابط الخاصة بدول الاتحاد يجب لإقرارها أن توافق عليها كل دول التكتل البالغ عددها 27 دولة، وهو ما يضع الرافضين لتلك الضوابط بين مطرقة الانصياع لقوانين الاتحاد وسندان أزماتها الداخلية، وعليه قد تلجأ كثيرًا من تلك الدول – وبالتحديد التي نجح فيها اليمين المتطرف – إلى طلب الانسحاب من الاتحاد.

مستقبل اللاجئين

يتضح من تلك المعطيات أن أوضاع اللاجئين في هولندا – ونقصد هنا طالبي اللجوء – قد يهتز بشكل كبير في ظل تعنت حكومة اليمين المتطرف الجديدة في احتواء هؤلاء اللاجئين وفتح الحدود لهم، ما يشير إلى احتمالية تعرضهم لمضايقات أمنية وترحيل قسري إذا ما طبقت هولندا ضوابط جديدة طبقًا لحالة الطوارئ الجديدة.

كما قد يلجا اللاجئون إلى دولًا أخرى أقل في حدتها عن هولندا وترحب باستضافة اللاجئين، مثل كرواتيا، وفنلندا، وفرنسا، وأيرلندا، وليتوانيا، ولوكسمبورغ، والبرتغال، وهي الدول التي وافقت بطلب فرنسي على المشاركة في استضافة المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في مياه البحر المتوسط أو المتسللين لأوروبا عبر ليبيا.

في المجمل.. يمكن القول إنه على الرغم من الصعوبات التي تعيق تطبيق حالة الطوارئ في هولندا بشأن اللاجئين، وأبرزها أن احزاب الحكومة الهولندية ائتلاف من 4 أحزاب هي حزب من أجل الحرية، حزب VVD الليبرالي، حزب العقد الاجتماعي الجديد الوسطي، وحركة المواطنين المزارعين (BBB)، وهي أحزاب يرى بعضها أن إعلان حالة الطوارئ ستستند الحكومة في تنفيذه على إجراءات غير دستورية، وبالتالي فتلك الأحزاب تؤيد تقييد فرض قيود سياسية على اللاجئين دون إعلان حالة الطوارئ، وهو ما ينبئ بوجود خلافات بين مكونات تلك الحكومة الائتلافيه، وهو ما يعرضها لتقديم استقالتها وعقد انتخابات برلمانية مبكرة.

كما أن أمستردام لديها خطط للتحرك منفردة أو بمعية دول تتسق في وجهة نظرها معها، وهو ما سيتعرض تكتل بروكسل لهزة قوية قد تجبره على تغيير توجهاته بشأن اللاجئين، خاصة بعد صعود نجم أحزاب اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، وهو ما ينذر بأوضاع سيئة على اللاجئين في هولندا.

يعزز ذلك التوجه أن رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، والذي كان يعمل رئيسًا لجهاز الاستخبارات سابقًا، تعهد بتشكيل حكومة ائتلافية تكون أبرز مهامها التشدد في تنفيذ خطة الائتلاف المتعلقة بتحجيم سياسات اللجوء من أجل السيطرة بإحكام أكثر على الحدود ومنع تدفق اللاجئين إلى هولندا.
يشكل ذلك بالطبع ضغطًا على عمل تكتل بروكسل الذي سيعاني في الفترة المقبلة من أزمة تجانس داخلية قد تهدد تماسكه وتجانسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *