مستقبل اللاجئين السوريين في أوروبا بعد سقوط نظام الأسد

كان لسقوط نظام بشار الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر 2024 بعد هروبه إلى روسيا تداعيات كثيرة على مستقبل اللاجئين السوريين في دول أوروبا، وهي الدول التي سارعت بإعادة النظر الفوري في أوضاع اللاجئين السوريين الذين تقدموا بطلبات لجوء إليها، حيث فاجأت دول أوروبا السوريين بسرعة رد الفعل تجاههم، إذ أعلنت دول وقف النظر في طلبات اللجوء للسوريين، وأعلنت أخرى عن حوافز مالية لإعادة السوريين إلى بلدهم مرة أخرى، في ظل سياسات يمينية في أوروبا ترفض ولوج اللاجئين بشكل عام إلى القارة العجوز وتتفنن في إصدار تشريعات لمنع دخول اللاجئين إلى أوروبا، بسبب تزايد معدلات اللاجئين تجاه أوروبا، وهو ما خلق أزمات اقتصادية متصاعدة نتيجة الضغط على الخدمات الداخلية.
تأثيرات اقتصادية
وتكشف إحصائيات وبيانات صادرة عن المؤسسات المعنية في أوروبا عن تأثيرات سلبية أصيبت بها دول القارة العجوز نتيجة تدفق اللاجئين – ومنهم السوريين – أبرزها ارتفاع معدل التضخم والتي تدور حول 5.8 % والتي من المتوقع أن تصل إلى معدل 7% بسبب أزمة اللاجئين طبقًا لوكالة يوروستارت، علاوة علىانكماش كبير في الاقتصاد وتراجع الناتج المحلي الأوروبي خلال العام 2020 بنسبة 11.9%، وفقاً لمكتب إحصائيات الاتحاد الأوروبي “يوروستات” أيضًا.
تشير بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى أن اللاجئين السوريين تقدموا بطلبات لجوء لأكثر من 130 دولة، كما أشارت التقديرات إلى أن تركيا وحدها – الجارة الأوروبية لسوريا – تحتوي على 3 مليون لاجئ سوري، كما تشير إحصائية صادرة عن وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي في شهر سبتمبر الماضي إلى أن دول أوروبا كانت تنظر في حوالي 100 ألف طلب لجوء، علاوة على ما يعادل 6500 طلب في المملكة المتحدة وحدها.
وبمجرد سقوط نظام بشار بدأت دول أوروبا في وضع سيناريوهات محددة لمستقبل اللاجئين السوريين الذين تقدموا إلى أوروبا، والتي جاءت على النحو التالي:
1- تجميد طلبات اللجوء: وهو القرار الذي أعلنته ما يزيد عن 10 دول أوروبية وهي ألمانيا والنمسا وبلجيكا وكرواتيا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وأيرلندا وإيطاليا ولاتفيا والنرويج وهولندا وبولندا والمملكة المتحدة وجمهورية التشيك والسويد وسويسرا، في الوقت الذي دعت فيه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، إلى إظهار “الصبر واليقظة” في شأن قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
2- حوافز مالية للعودة: وهو الإجراء الذي لجأت إليه دول أوروبية لتحفيز اللاجئين على ترك مواطنهم في أوروبا، وأبرز تلك الدول هي ألمانيا، حيث اقترح النائب الألماني ينس سبان، “استئجار طائرات” وتخصيص مبلغ قدره 1000 يورو “لكل من يريد العودة إلى سوريا”. وكان من الملفت للنظر أن من طالب بهذا الطلب هو النائب سبان المحسوب على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، وهو ما يضاف إلى جهود أحزاب اليمين المتطرف سواء في ألمانيا أو بقية دول أوروبا.
3- إلغاء تصاريح الإقامة: وهو إجراء آخر تفكر فيه دول أوروبية أبرزها النمسا والدنمارك، حيث تعمل النمسا على تسريع ترحيل اللاجئين السوريين هناك، وإعادة تقييم أضاع 40 ألف لاجئ في النمسا بعد إلغاء تصاريح إقامتهم هناك، كما قد تلجأ الدنمارك إلى سياسة إلغاء تصاريح الإقامة للاجئين السوريين كالإجراء الذي اتخذته الأخيرة في عام 2021 حين ألغت تصاريح إقامة السوريين وطالبتهم بالعودة إلى بلدهم على الرغم من استمرار الحرب الأهلية هناك، على الرغم من تأكيدات حكومية في عدة دول أوروبية بأن تصاريح الإقامة التي حصل عليها السوريين كانت نتيجة استمرار نظام الأسد الذي كانوا يصفونه بـ”القمعي” و”غير الديمقراطي”، لكن مع سقوط نظام الأسد مؤخرًا بات من وجهة نظر تلك الدول أن السبب لإعطاء التصاريح قد زال، وعليه ستتوقف تلك الدول عن منحهم التصاريح.
ويشير الاستطلاع المرفق – والذي أجرته صحيفة ذا ناشيونال – إلى أن الدول المذكورة فيه تستضيف وحدها مجتمعة حوالي 95 % من تعداد اللاجئين السوريين، وتحتفظ تركيا بنصيب الأسد منها، فيما يضم الاستطلاع دولًا أوروبية أخرى أبرزها ألمانيا وأستراليا والسويد واليونان ونيوزيلندا ضمن أكثر الدول الأوروبية المستقبلة للاجئين السوريين، طبقًا لبيانات صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وطبقًا للاستطلاع المرفق والذي يستند في بياناته على وكالة يوروستات، فإن عامي 2015 و 2016 شهدا تزايدًا كبيرًا لمعدلات اللاجئين السوريين لدول أوروبا، ثم انخفض معدل اللجوء مرة أخرى بين أعوام 2017 حتى 2020، ثم تزايد مجددًا معدلات طلب اللجوء من السوريين لأوروبا مرة أخرى بين أعوام 2021 وحتى 2023 لأسباب متعددة، وهو ما جعل أحزاب اليمين الأوروبي تدق ناقوس الخطر، وتتمعن في تدشين التشريعات لترحيل اللاجئين ومنع إدخالهم لدول القارة العجوز.
خاتمة:
في المجمل يمكن القول: أولًا: إن مستقبل السوريين سواء في الداخل السوري أو اللاجئين الذين جمدت طلبات لجوءهم أو رفضت طلباتهم في أوروبا، في خطر محدق في ظل عدم وضوح الرؤية حول مستقبل الفصائل العسكرية السورية، وما إذا كان من المحتمل أن يتسبب الخلاف بين تلك الفصائل على توزيع السلطة في اقتتال داخلي قد يؤزم الأوضاع من جديد ويتسبب في حرب أهلية.
ثانيًا: فإن وضع السوريين قد يتأزم نتيجة عدم قدرتهم على العودة مرة أخرى لأوروبا نتيجة صعود أحزاب اليمين المتطرف في دول أوروبا، والتي ضغطت حتى تم وقف منح تصاريح الإقامة للاجئين، وتجميد النظر في ملفات اللجوء للسوريين وهو ما يضع السوريين بين شقي رحى من جديد، لكن الأزمة ستكون أفظع بعد أن أغلقت دول أوروبا وجارتهم تركيا الأبواب أمام دخول السوريين مرة أخرى.