كيف يضغط لاجئو أوكرانيا على الاقتصاد الأوروبي؟

في الوقت الذي تناقش فيه دولًا أوروبية مواثيق وقوانين من شأنها التضييق على اللاجئين، وبالتحديد اللاجئين العرب والقادمين من بؤر صراع، باتت النظرة إلى اللاجئين الأوكرانيين مختلفة في تفاصيلها عن نظرة أوروبا للاجئين العرب، والذين تعتبرهم أسبابًا لزيادة معدلات الجريمة، في ظل اعتبار دول أوروبا للاجئين الأوروبيين على أنهم جزء من واقع أوروبا، وهي النظرة التي أجبرت دول أوروبا على تقديم المساعدات المالية الكبيرة للاجئين الأوكرانيين بمجرد وصولهم إلى دول أوروبا القريبة من أوكرانيا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتشير تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى أنها سجلت أكثر من 8 ملايين لاجئ من أوكرانيا في مختلف أنحاء أوروبا، وذلك اعتباراً من فبراير 2023، وهو الشهر الذي شهد بداية الغزو الروسي لأوكرانية، كما تشير تقديرات المفوضية إلى أن نحو 17.6 مليون شخص كانوا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة داخل أوكرانيا، فيما سجلت المفوضية أكثر من 5 ملايين شخص يقدر أن يكونوا في عداد النازحين داخل أوكرانيا. أما فيما يتعلق باللاجئين الأوكرانيين في أوروبا فبات لهم وضع آمن أكثر من أي وضع لاجئ أخر، غير أن هؤلاء اللاجئين باتوا يؤثرون بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية لدول أوروبا.
المساعدات المالية الأوروبية للأوكرانيين
تؤثر المساعدات المالية المقدمة من دول أوروبا إلى اللاجئين الأوكرانيين على الاقتصاد الأوروبي، الذي يرزح تحت التضخم الكبير وارتفاع أسعار السلع للمستهلكين، إذ تسير المساعدات الأوروبية للأوكران على النحو التالي:
تقدم هولندا على سبيل المثال لا الحصر مساعدات مالية وإعانات شهرية تصل إلى 384 يورو لكل لاجئ أوكراني على أراضيها، فيما تقدم بلجيكا أعلى قيمة إعانة ماليه بمعدل 1288.46 يورو شهريًا، فيما تقدم النرويج ما يعادل 670 يورو شهريا، وهو مبلغ أولي بجانب مبالغ أخرى تتعلق بإعانات السكن و”إعانة الاندماج” البالغة حوالي 17,300 يورو سنويًا. وذلك طبقًا لتقديرات وإحصائيات أجراها خدمات البحوث العلمية في البوندستاغ الألماني “البرلمان”، وهي الإحصائيات التي أكدت على أن دول أوروبا تقدم إعانات مالية باهظة للاجئين الأوكرانيين.
وتشير نفس التحليلات التي أجراها البوندستاغ الألماني إلى أن أيطاليا تدفع مساعدات بمعدل حوالي 300 يورو، فيما تدفع فرنسا شهريًا حوالي 426 يورو، أما دولة فنلندا فتدفع شهريا “إعانة استقبال” بمبلغ 349 يورو شهريًا، كما يحصل اللاجئ الأوكراني في السويد على إعانة تبلغ 180 يورو شهريًا، وفي النمسا، يتحصل الأوكرانيون على 260 يورو شهريًا، ويتم دعم تكاليف الإيجار بمبلغ يصل إلى 165 يورو.
فيما تتفاوت قيمة المساعدات المالية الأوروبية للاجئين الأوكرانيين، في ظل تفاوت تعداد اللاجئين في دول أوروبا، طبقًا للجدول التالي:
الجدول المرفق يوضح تعداد اللاجئين الأوكرانيين في بعض دول أوروبا حتى التواريخ المرفقة بالجدول، وطبقًا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة
إعادة اللاجئين الأوكرانيين إلى وطنهم
وفي الآونة الأخيرة طالبت أصوات أوروبية بضرورة إعادة اللاجئين الأوكرانيين إلى وطنهم، في ظل عدم قدرتهم على التكيف مع الأوضاع في الدول التي لجأوا إليها من جانب، وتسجيلهم كعاطلين عن العمل، مع استمرار حصولهم على إعانات مالية كبيرة، إذ سبق أن طالب حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي في ألمانيا – الجاذب الأكبر للاجئين الأوكرانيين طبقًا للجدول السابق – بضرورة إعادة اللاجئين الأوكرانيين العاطلين إلى بلدهم، في ظل عدم قدرة الحكومة الاتحادية على الاستفادة منهم ودمجهم في سوق العمل.
يضاف إلى ذلك مطالبات في عدة ولايات بدول أوروبا بوقف دفع الإعانات الاجتماعية التي تسمى “أموال المواطن” التي تدفع للاجئين الأوكرانيين، كما طالبت أحزاب يمينية بتقليص نسبة الأموال التي يتلقونها من جانب آخر، وهي الطلبات التي رفضتها الحكومة الاتحادية الألمانية وهو بدوره ما أزم الوضع على حكومة أولاف شولتس وتسبب في سحب الثقة عن الحكومة مؤخرًا.
تأثيرات اللاجئين على الاقتصاد الأوروبي
يتسبب تدفق اللاجئين بشكل عامل إلى دول أوروبا في تغييرات تطرأ على أوضاع البلاد من الداخل، وأبرز تلك التأثيرات ما يلي:
- تغيير أولويات الحكومات الأوروبية: ويأتي ذلك نتيجة تغيير أولويات الإنفاق الحكومي لدول أوروبا، خاصة في ظل المنح المالية المقدمة من دول أوروبا إلى اللاجئين الأوروبيين، خاصة وأن تدفق اللاجئين لم يسبقه تمهيد، إذ حدث نتيجة حرب طرأت على متغيرات الصراع بين روسيا وأوكرانيا.
- تأثيرات في سوق العمل: وهو ما يشير إلى تنافس بين اللاجئين وأبناء الدولة على موارد محدودة، فضلًا عن مزاحمة اللاجئين لأبناء البلد في سوق العمل، ما يستتبعه انخفاض في قيمة الأجور، ويرفع معدلات البطالة في الدول التي تستقبل اللاجئين.
- عجز موازنات أوروبا: وقد تسبب تدفق اللاجئين في عدة دول أوروبية في عجز كبير في موازنات الحكومات الأوروبية، في ظل وجود بند جديد للإنفاق متمثل في الإنفاق الدفاعي ودعم أوكرانيا عسكريًا في مواجهة التقدم العسكري الروسي، بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية تتكلف توفير مساكن وتقديم دعم للاجئين تتراوح بين 8 آلاف و10 آلاف دولار للشخص في السنة الأولى، وذلك طبقًا لتقديرات مجلة التمويل والتنمية التابعة لصندوق النقد الدولي.
- ارتفاع نسبة التضخم في منطقة اليورو: وهو ما كشفته إحصائيات صادرة عن وكالة الاحصاء الأوروبية (يوروستات)، والتي أكدت ارتفاع التضخم في منطقة اليورو خلال شهر نوفمبر المنصرم بمعدل 2.3%، مقارنة بنسبة تضخم بلغت 2% في أكتوبر الماضي.
خاتمة
ما تزال أوروبا تعاني من تداعيات أزمة اللاجئين على الرغم من تبنيها حزمة تشريعات استهدفت منع استقدام اللاجئين العرب من مناطق الصراع، فيما عملت على تشجيع عودة اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد في السابع من ديسمبر 2024، لكن دول أوروبا ما تزال واقعة أسيرة اللاجئين الأوكرانيين الذين يرتبطون بدول أوروبا من الناحية الجغرافية، وترفض أوروبا ترحيلهم أسوة باللاجئين العرب وأصحاب الجنسيات الأخرى، وهو ما تسبب في ضغوط اقتصادية على دول أوروبا تزايد على إثرها معدل التضخم بشكل كبير طبقًا لإحصائيات وكالة الإحصاء الأوروبية “يوروستات”.
وفي كل الأحوال.. ومع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا مع غياب أفق لحل الأزمة ووقف الصراع، فإن دول أوروبا ستستمر في تسجيل معاناة كبيرة جراء استمرار موجات اللجوء من أوكرانيا، مع صعود نجم أحزاب اليمين المتطرف التي يطالب كثير منها بترحيل اللاجئين للحفاظ على الاقتصاد الأوروبي، ومواجهة موجات التضخم الكبيرة التي تعاني منها منطقة اليورو.