المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / خطط اليمين المتطرف لترميم علاقة أوروبا ترامب

خطط اليمين المتطرف لترميم علاقة أوروبا ترامب

خطط اليمين المتطرف لترميم علاقة أوروبا ترامب

بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فترته الرئاسية معلنًا حالة العداء للجميع، وملوحًا بعصا الرسوم الجمركية ضد حلفاءه الأوروبيين، وزاد في الإمعان بأن هدد بالانسحاب من حلف الناتو إذا لم تزد دول أوروبا إنفاقها الدفاعي، علاوة على سحب قوات أمريكية من أوروبا، فضلًا عن استياء أوروبا من وصلة التوبيخ التي تعرض لها الرئيس الأوكراني من نظيره الأمريكي في المكتب البيضاوي خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في الأول من مارس الجاري، وهو ما دعا أوروبا لإعادة النظر في طبيعة علاقتها مع الولايات المتحدة من جهة، ودعا كذلك أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا إلى رسم خريطة جديدة للعلاقة بينها وبين الرئيس الأمريكي.

إجراءات ترامب العدائية

  • وقف مشاركة واشنطن في المناورات العسكرية مع أوروبا

لقد تسببت إجراءات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العدائية – طبقًا لوجهة نظر الأوروبيين – إلى إعادة دول أوروبا تقييم علاقتها بواشنطن في ظل الإدارة الجمهورية المتطرفة التي يتبناها ترامب بعد فوزه، حيث لجأ ترامب في أحدث إجراء له بإعلان واشنطن عدم مشاركة قواتها في المناورات العسكرية التي تجريها مع دول أوروبا. وقد استند ترامب في هذا القرار على تأكيده بأنه يشك في استعداد الناتو للدفاع عن الولايات المتحدة، وهو ما يدفعه إلى تقييم علاقته بأوروبا.

  • إعادة توزيع القوات الأمريكية في أوروبا

وبجانب ذلك تدرس الولايات المتحدة الأمريكية إعادة توزيع القوات الأمريكية في أوروبا، حيث سحبت واشنطن قوات كبيرة من ألمانيا، وتقدر عدد تلك القوات بـ 35000 جندي أمريكي، حيث من المقرر أن يتم إرسال تلك القوات إلى عدة دول في شرق أوروبا. وهو إجراء يظهر تصاعد الخلاف بين إدارة ترامب ودول الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد أن فشلت دول الاتحاد في التوافق على تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي لتمويل ميزانية الدفاع.

  • تعقيد التنسيق العسكري

ويمثل القرار الأمريكي الأخير بسحب ذلك العدد الكبير من القوات الأمريكية من ألمانيا بالتحديد، والتي تمثل أحد المراكز اللوجيستية الكبرى للعمليات الأمريكية في قلب أوروبا وتصل الولايات المتحدة بقارة أفريقيا والشرق الأوسط، تصعيدًا كبيرًا بين واشنطن وبروكسل من جانب، علاوة على ما ستؤول إليه الأمور فيما يتعلق بتعقيد التنسيق العسكري بين الجانبين.

  • فرض رسوم جمركية

سبق أن هدد ترامب أكثر من مرة دول أوروبا باستهدافها بسلاح “الرسوم الجمركية”، خاصة بعدما وصف دول الاتحاد بأنه “فظيع”، حيث اعتبر ترامب أن أوروبا تتعمد خداع الولايات المتحدة الأمريكية، تمامًا كما خٌدعت واشنطن من  كندا والمكسيك، وهو ما دعاه لأن يستهدفهما أيضًا بسلاح الرسوم الجمركية.

دور اليمين الأوروبي في إعادة التوازن

أبرزت الانتخابات التشريعية التي جرت في عدة دول أوروبية مؤخرًا عن صعود لنجم أحزاب اليمين المتطرف، والتي تتسق في سياساتها مع جوهر سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا من جانب وفيما يتعلق بالموقف من الهجرة واللاجئين من جانب آخر، وهو ما دعا أحزاب اليمين الأوروبي أن تتبنى خطة من شأنها أن تحفظ التوازن في العلاقات بين واشنطن وبروكسل على النحو التالي:

  • التصريحات الناعمة

أطلقت عددًا من الأحزاب اليمينية الأوروبية تعليقات وتصريحات ناعمة عن بعض إجراءات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي كان أبرزها محاولات وقف الحرب الروسية الأوكرانية بالتوسط بين الطرفين، إذ لم يستاء رموز تلك الأحزاب مما تعرض له رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي من توبيخ في البيت الأبيض، حيث اعتبر فيكتور أوربان، زعيم حزب فيدس الحاكم في المجر أن “الرجال الأقوياء يصنعون السلام، والرجال الضعفاء يصنعون الحرب”، وهو ما يتسق مع تصريحات له تعارض الدعم الأوروبي لأوكرانيا الذي يطيل أمد الحرب بالنسبة له.

واتفقت معه زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا أليس فايدل، التي نشرت صورة لترامب وعلقت عليها وقالت “لا يوجد لدى حزبنا سجل في دعم أوكرانيا”، كما أبرزت انسحاب عدد كبير من قيادات حزب البديل مبنى البرلمان الألماني عندما ناشد زيلينسكي المشرعين تقديم المزيد من الدعم لبلاده.

أما في بريطانيا فقد استمر زعيم حزب الإصلاح اليميني نايجل فاراج في دعم إجراءات ترامب، واعتبر أن سياسات الرجل مصدر إلهام لكثير من الساسة حول العالم.

  • تحالف يميني مرتقب

ترى أحزاب اليمين المتطرف في دول أوروبا أن اللحظة باتت مواتية من أجل تدشين تحالف يميني من أجل بلورة سياسات محددة والتواصل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتنفيذ أجندة سياسية تتعلق بمستقبل أوروبا ولإنقاذ الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور نتيجة الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن أن ذلك التحالف قد يثني ترامب عن فرض الرسوم الجمركية على دول أوروبا.

ج – استنساخ شعارات ترامب

اعتاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رفع شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، وهو الشعار الذي تستنسخه أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا وكان أبرزها حزب فوكس اليميني الإسباني، والذي اعتبر أن فوز ترامب نذيرا بانتصارات مستقبلية لمعسكرهم السياسي اليميني، ما دعاه لأن يرفع شعار “لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى”، خلال أحد المؤتمرات الانتخابية في العاصمة الإسبانية مدريد بحضور مارين لوبان وفيكتور أوربان ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني.

خاتمة

بلا شك تدرك أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه أوروبا اتخذت منحى جديد في ولايته الثانية، وخوفًا من تصعيد حالة العداء مع الولايات المتحدة، لجأت تلك الأحزاب إلى إبراز أجندتها التي تتوافق مع أجندة الرئيس الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بوقف الحرب الأوكرانية، نتيجة العلاقات التي تجمع بعض قيادات تلك الأحزاب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما دعا قادة تلك الأحزاب لأن يتحلوا بالمرونة الكافية لإظهار التماهي مع السياسات الأمريكية حيال القضايا الإقليمية الكبرى، كنوع من محاولات ترميم العلاقة بين بروكسل وواشنطن، بعد حالة الفتور الواضحة التي كشفتها لقاءات ترامب بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًّا، وكذا لقاء ترامب مع كير ستارمر رئيس وزراء بريطانيا، وهو ما دعا أحزاب اليمين الأوروبي أن تدخل على الخط لإعادة جزء من التوازن في العلاقات بين الجانبين.

يمكن لأحزاب اليمين المتطرف بناء على ذلك أن توجه رسائل إلى الرئيس الأمريكي كمحاولة للتهدئة، وهي الرسائل التي قد يتلقاها الرئيس الأمريكي باهتمام نتيجة اتساق المواقف بين الجانبين، وقد تسهم تلك الرسائل، أو محاولة تدشين تحالف يميني، في تهدئة الأوضاع بين واشنطن وبروكسل في الفترة الحرجة المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *