المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / خطة ألمانية لتشديد سياسات اللجوء

خطة ألمانية لتشديد سياسات اللجوء

خطة ألمانية لتشديد سياسات اللجوء

لم تنتظر ألمانيا إقرار دول الاتحاد الأوروبي ما اصطلح على تسميته “ميثاق اللجوء والهجرة” من قبل تجمع بروكسل، حيث أعلنت عن إجراءات أحادية تسهم في الحد من زيادة تدفق اللاجئين على أراضيها، وذلك أسوة بالنمسا التي اتخذت هي الأخرى إجراءات اتسمت بالشدة في قبول اللاجئين على أراضيها، وكذا ملاحقة اللاجئين الذين دخلوا البلاد خلال الفترات المقبلة، مع التدقيق الشديد في مسوغات قبولهم على الأراضي الألمانية أو حتى النمساوية، وهو ما جعل النمسا ترحب أيما ترحيب بالقرارات الألمانية الجديدة التي تتسق في مجملها مع الوعي الجمعي لأوروبا.

وقد سبق أن أعلنت ألمانيا عن خطة خاصة باللاجئين السوريين، والتي رفع الستار عنها بعد اتصالات جادة بين الحكومة الألمانية والقيادة الجديدة في سوريا برئاسة أحمد الشرع، إلا أنه على ما يبدو أن ألمانيا قررت توسيع خطتها بشأن اللاجئين على أراضيها بشكل عام.

 وقد قامت الخطة الألمانية على عدة محددات من شأنها أن تصعب المهمة على اللاجئين في دخول الأراضي الألمانية، والتي جاءت على النحو التالي:

  • إلغاء قانون التجنيس السريع بعد 3 سنوات من التواجد في ألمانيا.
  • الإبقاء على إمكانية الحصول على الجنسية الألمانية بعد 5 سنوات.
  • تعليق العمل بمبدأ “لم الشمل” لمدة عامين للاجئين الحاصلين على “حماية” ومعظمهم سوريون.
  • تجنيد طوعي شبيه بالنموذج السويدي لجذب الشباب والفتيات للخدمة العسكرية.
  • تشديد شروط الحصول على الإعانة الاجتماعية وتغيير اسمها إلى “إعانة الباحثين عن عمل”.

قراءة في محددات الخطة

وتشير الضوابط الألمانية الجديدة إلى أن الدولة الاتحادية والتي على الرغم من كونها جزءً لا يتجزأ من كتلة الاتحاد الأوروبي اعتمدت تلك الضوابط إما لاحتمال وجود عوار في ميثاق اللجوء الأوروبي، أو أنها رأت ضرورة الإسراع في تنفيذ تلك الضوابط قبل وقت طويل من النظر في الميثاق وإقراره، إذ يعد النظر في تشريعات الميثاق وإقراره خلال العام المقبل 2026 يسهل استمرار تدفق اللاجئين على الأراضي الأوروبية بما فيها ألمانيا طالما لم يتم إقرار الميثاق بشكل نهائي وبدء تنفيذ بنوده.

كما كشفت الخطة أنها استهدفت السوريون بشكل أكبر، واعتمدت على إيجاد حلول لاستمرار تواجد السوريون على الأراضي الألمانية بعد تغير الأوضاع على الأرض هناك، وهو ما دعا ألمانيا إلى تعليق العمل بميثاق “لم الشمل”، وهو الميثاق الذي كان يستند إليه اللاجئين العرب في ألمانيا لجلب بقية عائلاتهم إلى ألمانيا والحصول على “حماية” لمنع ملاحقتهم وترحيلهم، وهو ما يشي بتغير السياسات الأمنية الألمانية تجاه اللاجئين بشكل عام والسوريون بشكل خاص خلال الفترة المقبلة، حيث من المرتقب أن تشن الشرطة الألمانية حملات على اللاجئين لفحص أوراقهم وترحيل من يخالف ضوابط التواجد في ألمانيا طبقًا للشروط الجديدة، خاصة من لم يكمل مدة الـ 5 سنوات على الأراضي الألمانية.

وقد بدأت الحكومة الألمانية في تطبيق الخطة الحكومية الجديدة والتشديد في إجراءاتها بعدما رصدت الشرطة الألمانية ما يزيد عن  4500 عملية دخول غير مصرح بها إلى الأراضي الألمانية عبر الحدود السويسرية مع ألمانيا، خلال الفترة من شهر سبتمبر الماضي حتى مارس الماضي، حيث شددت الشرطة الألمانية وقوات حرس الحدود من نشاطهما لمنع دخول اللاجئين وإنهاء إقامة كثيرين ممن دخلوا إلى البلاد مؤخرًا.

سيناريوهات التنفيذ

على الرغم من أن الخطة الألمانية لم تحظى بالقبول الكامل من جيرانها، حيث رفضتها سويسرا بحجة انتظار إقرار ميثاق اللجوء الأوروبي، فيما رحبت بها النمسا، إلا أن الأجهزة المعنية في ألمانيا وضعت سيناريوها محددة لتنفيذ الخطة المعلن عنها بناء على ضوابط محددة نجملها فيما يلي:

  • رفض طلبات اللجوء

يعد هذا الإجراء هو الأسهل بين سلسلة الإجراءات التي قد تسعى إليها الحكومة الألمانية لتنفيذ مخططها لوقف تدفق اللاجين، إذ ستعمل السلطات الألمانية على حدود ألمانيا مع جيرانها على رفض طلبات اللجوء وتعليق فحصها والموافقة إما لفترة محددة أو بشكل دائم، أو حتى لحين إقرار ميثاق اللجوء الأوروبي، إلا أنها ستصطدم بأمر واقع لديها يتمثل في وجود لاجئين من الاساس على أراضيها، وهو ملف يستوجب التعامل معه بحرفية، خاصة وأن القانون الأوروبي يوجب على أي دولة اوروبية النظر في  طلب اللجوء، على الأقل لتحديد الدولة المسؤولة عنه بعد ذلك.

  • رحلات هجرة قسرية

وهو الإجراء الذي من شأنه أن تنسق ألمانيا مع دولا أخرى لاستقبال اللاجئين العائدين من ألمانيا، وقد كان من أبرز تلك الدول سوريا بعد إجراء اتصالات مع الشرع لترحيل السوريين، وأفغانستان، حيث سبق ان تواصلت الحكومة الألمانية السابقة لتظيم ترحيل جماعي للاجئين إليها، وهو ما كشفه النائب عن  الاتحاد الديمقراطي المسيحي ثورستين فري، إذ كانت الإدارة المنتهية ولايتها قد نظمت رحلة إلى كابول على متنها 28 مهاجرًا مدانين في جرائم مختلفة في سبتمبر من العام الماضي 2024، وقد أعلنت الحكومة عن نيتها تنظيم مزيد من الرحلات الجوية، ولكن غياب العلاقات الدبلوماسية مع طالبان يمثل حجر عثرة.

خاتمة

على الرغم من التشديدات الالمانية الأخيرة بشأن حركة اللاجئين لديها، والضوابط الصارمة التي تسببت في تحقيق انخفاض حاد في طلبات اللجوء حيث انخفض عدد طلبات اللجوء إلى حوالي 230 ألفا بنهاية عام 2024، مقابل قرابة 330 ألفا في 2023. واستمر هذا الاتجاه منذ مطلع العام الحالي، مع انخفاض بلغت نسبته 43 % خلال الشهرين الأولين مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، إلا أن ألمانيا تعرضت لتزايد معدلات الهجرة المقبولة لما أسمته “هجرة العمالة المتخصصة”، والتي ارتفعت نسبتها إلى 77 % منذ عام 2021، وهم من يعمدوا إلى الاستناد إلى مبدأ “لم الشمل” كما أن أغلبهم من جنسيات عربية.

ومن هذا المنطلق فإن ألمانيا بتلك الإجراءات قد تشدد من ضوابط استقدام العمالة المتخصصة أيضًا وتتسبب الإجراءات الجديدة في تضييقات وملاحقات ضد الجميع، علاوة على أن الإجراءت الألمانية قد تجبر كثيرًا من دول اوروبا على تنفيذ إجراءات أحادية من شأنها ان تنسف ما جاء في ميثاق اللجوء الأوروبي الذي يحتوي على ضوابط لمعاملة اللاجئيين أو طالبي اللجوء، حيث تقفز ألمانيا ومن قبلها النمسا على كل التشريعات التي من المرتقب إقرارها العام المقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *