حملة هولندية وسط تصاعد التهديدات في أوروبا

“استعد لحالة الطوارئ”
ابوبكر باذيب
في ظلّ واقع دولي متوتر يتّسم بتسارع الأزمات، وتنامي المخاطر السيبرانية، وعودة شبح الحرب الباردة إلى حدود القارة الأوروبية، أطلقت الحكومة الهولندية كتيّب “استعد لحالة الطوارئ”، كجزء من حملة وطنية لتوعية السكان وتعزيز جاهزيتهم لأي حالات طارئة. تأتي هذه الحملة وسط تصاعد النقاشات الأمنية في أوروبا حول احتمالات وقوع هجمات إلكترونية واسعة، أو أعطال في البنية التحتية، أو حتى تطورات عسكرية قد تمسّ أمن القارة.
الكتيّب، الذي بدأ توزيعه على كافة المنازل الهولندية، يقدّم إرشادات واضحة للأسر حول كيفية التحضير لأزمات قد تمتدّ لـ 72 ساعة على الأقل دون كهرباء أو اتصالات أو مياه. ورغم بساطته، إلا أنه يُقرأ في الأوساط السياسية على أنه إشارة إلى مرحلة جديدة في وعي الحكومات الأوروبية تجاه التهديدات المتصاعدة.
الكتيّب: دعوة للاستعداد وليس للذعر
تؤكّد الحكومة الهولندية في مقدمة الكتيّب أنّ الهدف ليس إثارة الخوف، بل “تمكين المواطنين”، عبر رفع مستوى الجاهزية الفردية والمجتمعية. وتشدّد على أن بقاء الناس مستعدين لأيام قليلة يتيح للحكومة التركيز على معالجة الخلل الأكبر عند وقوع أزمة.
الكتيّب يقدّم ثلاث خطوات أساسية:
1. تجهيز حقيبة الطوارئ (Noodpakket)
توصي السلطات بوجود حقيبة تضمّ:
- مياه تكفي لعدة أيام
- طعام طويل الصلاحية
- راديو طوارئ يعمل بالبطارية أو الطاقة الشمسية
- مصباح يدوي وبطاريات
- بطانيات للتدفئة
- نقود نقدية
- أدوية ضرورية ووثائق مهمة
هذه القائمة لم تعد تواجه استغرابًا لدى الأوروبيين، خصوصًا بعد انقطاع الكهرباء عن ملايين السكان في دول مختلفة خلال السنوات الماضية نتيجة أعطال تقنية وهجمات إلكترونية.
2. إعداد خطة الطوارئ العائلية (Noodplan)
وتشمل:
- كيف يتواصل أفراد الأسرة إذا تعطّلت الهواتف والإنترنت
- تحديد نقطة تجمع
- تنسيق العناية بالأطفال أو كبار السن
- معرفة الأقرباء أو الجيران الذين يحتاجون دعما إضافيًا
3. تعزيز شبكة الدعم المجتمعية
توصي الحكومة بأن يفكّر كل شخص ليس فقط في نفسه، بل أيضًا في جيرانه، خصوصًا كبار السن أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما يتوافق مع دراسات اجتماعية تشير إلى أن الصمود خلال الأزمات يعتمد على التماسك المجتمعي بقدر ما يعتمد على الجاهزية المادية.
الأبعاد السياسية والعسكرية للكتيّب

إصدار مثل هذا الكتيّب لا يأتي في فراغ، بل يتزامن مع مخاوف أمنية متزايدة في أوروبا، أبرزها:
1. الحرب في أوكرانيا واتساع دائرة القلق
الحرب الروسية–الأوكرانية المستمرة منذ 2022 أعادت للأذهان هشاشة أمن الطاقة والبنية التحتية الأوروبية. استهداف خطوط الكهرباء والغاز والاتصالات في أوكرانيا جعل الحكومات الأوروبية تعيد تقييم قدرتها على التعامل مع سيناريوهات مشابهة.
2. تصاعد الهجمات السيبرانية
تعرضت هولندا ودول أوروبية أخرى لسلسلة من الهجمات الإلكترونية على مؤسسات حكومية ومرافئ وشركات تكنولوجيا وبنوك.
هذا ما يفسّر تركيز الكتيّب على ضرورة وجود بدائل للاتصال مثل الراديو، وإمكانية العيش دون خدمات رقمية عدة أيام.
3. التحذيرات العسكرية من قادة الناتو
صرّح مسؤولون في حلف الناتو خلال العامين الماضيين بأنّ أوروبا يجب أن تكون مستعدة لـ مرحلة اضطرابات طويلة قد تشمل:
- أعطال مفاجئة في شبكات الكهرباء
- هجمات على الكابلات البحرية
- حملات تضليل رقمية
- ضغوط على سلاسل الإمداد
تلك التحذيرات تتقاطع بشكل واضح مع مضمون الكتيّب، الذي يُقرأ على أنه ترجمة محلية لتحذيرات دولية أكبر.
4. استعدادات مشابهة في دول أوروبية أخرى
هولندا ليست وحدها:
- ألمانيا حدّثت خطط الطوارئ المدنية
- السويد أعادت إلزام السكان بجواز الطوارئ منذ 2018
- فرنسا رفعت مستوى مراقبة البنى التحتية الحيوية
ما يعني أن الكتيّب الهولندي جزء من سياق أوروبي شامل.
ماذا يعني هذا للمواطن؟
الرسالة الرسمية واضحة:
استعد الآن، لتستطيع مساعدة نفسك وأسرتك في الساعات الأولى من أي أزمة.
الحكومة تركز على:
- تقليل الاعتماد الكامل على الدولة في الساعات الأولى
- منع حالة الذعر وشراء السلع بشكل جماعي (Panic Buying)
- بناء ثقافة وعي طارئ مشابهة لما هو موجود في دول مثل اليابان
كما أن توفير نسخة عربية وغيرها من الترجمات يعكس رغبة الحكومة في شمول جميع فئات المجتمع دون استثناء، وهو أمر مهم في بلد متعدد الثقافات مثل هولندا.
على الرغم من عدم وجود تهديد مباشر معلن، إلا أن إصدار هذا الكتيّب في هذا التوقيت يعبّر عن رسالة غير مباشرة مفادها أن الأزمات ليست احتمالًا بعيدًا، بل واقع قد يحدث فجأة.
الخبراء يؤكدون أن: “الأزمات الحديثة لا تحتاج حربًا كي تبدأ، بل خلل تقني صغير أو هجوم سيبراني قد يشلّ مدينة كاملة.” و“التجهيز لـ 72 ساعة أصبح الحد الأدنى، وليس المعيار المثالي.”
في المحصلة الكتيّب الهولندي “استعد لحالة الطوارئ” ليس مجرد منشور توعوي، بل وثيقة سياسية–اجتماعية تعكس مستوى القلق الأمني في أوروبا المعاصرة. إنه تذكير بأن العالم يمرّ بمرحلة حساسة، وأن الدول لم تعد تراهن فقط على قدرات مؤسساتها، بل بدأت تعتمد أكثر على وعي المواطنين وقدرتهم على تحمل مسؤوليتهم في الأوقات الحرجة.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث، يصبح الاستعداد الفردي والمجتمعي عنصرًا أساسيًا في منظومة الأمن القومي.
الرسالة واضحة: فكّر مسبقًا… فقد يأتي وقت لا يكون فيه التفكير متاحًا.
رابط النسخة العربية من الكتيب https://www.denkvooruit.nl/documenten/2025/11/25/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6





