حجب الثقة عن حكومة شولتس في ألمانيا.. الأسباب والتداعيات

إنهارت حكومة المستشار الألماني أولاف شولتز بعدما قرر أعضاء البوندستاج “البرلمان الألماني” سحب الثقة من حكومة شولتز، بأغلبية أصوات بلغت 394 صوت مؤيد لسحب الثقة، فيما عارض سحب الثقة حوالي 207 عضوًا وتحفظ 116 عضوًا على التصويت، وهو القرار الذي بموجبه يؤول الأمر للرئيس الاتحادي فرانك شتاينماير بموجب المادة 68 من الدستور الألماني والذي سيدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة في ألمانيا في 23 فبراير المقبل، والتي كان من المفترض أن تجري في سبتمبر 2025، لتشكيل حكومة جديدة بائتلاف جديد يختلف كثيرًا في سياساته عن سياسات شولتز وحكومته الداعية لاستمرار الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا.
نظرة على مكونات البرلمان الألماني
يتم انتخاب البرلمان الألماني “البوندستاج” كل أربع سنوات، ويتكون من 733 مقعدًا يشغلهم عدد محدود من الأحزاب والائتلافات السياسية، إلا أن مسألة تشكيل الحكومة تتطلب ضرورة تشكيل ائتلافات من الأحزاب الحاصلة على أعلى نسبة أصوات. ويتكون البرلمان الألماني من كيانات تسعة هي الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني SPD والتي لها حوالي 207 مقعد، والاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU والذي يحتفظ بحوالي 153 مقعدًا، بجانب الاتحاد الاجتماعي المسيحي SCU والذي يقتنص حوالي 43 مقعدا، علاوة على تحالف 90 / الخضر الذي يضمن حوالي 117 مقعدا، بجانب الحزب الديمقراطي الحر FDP صاحب الـ 91 مقعدا، بالإضافة إلى حزب البديل من أجل ألمانيا AfD المحسوب على اليمين المتطرف بمعدل 77 مقعدا، فضلًا عن حزب اليسار بحوالي 28 مقعدا، وتحالف سارة فاغنكنيشت BSW صاحب الـ 10 مقاعد، وانتهاءً بالمستقلين الذين يشغلون حوالي 7 مقاعد فقط.
أسباب السقوط
تضافرت عدة أسباب سياسية ولوجيستية مثلت دوافع مهمة لانهيار حكومته، ما يفتح الباب أمام إحلال أحزاب يمينية محل ائتلاف شولتز، وقد جاءت الأسباب على النحو التالي:
1– خلافات داخلية: كان أبرز تجليات ذلك إقالة وزير المالية الألماني كريستان ليندنر القيادي في الحزب الليبرالي – شريك شولتز في الائتلاف الحكومي – على إثر خلافات كبيرة حول ميزانية عام 2025، والذي مثل أحد العوامل الرئيسية التي هدمت أركان حكومة شولتز، إذ سبق القرار اتهامات من وزير المالية الألمانية لشولتز بأنه “بأنه لا يملك القوة اللازمة لإعطاء بلاده دفعة جديدة”.
وفي هذا الصدد دعا شولتز وزير ماليته لتعليق نظام كبح الديون الدستوري، من أجل ضمان استمرار الإنفاق الكبير على موازنة الدفاع، وهي الآلية نفسها التي تسمح بالاقتراض في حدود ضيقة، ومعنى أن يطلب شولتز تعليقها فهو يشير إلى رغبة جامحة منه في زيادة نسبة الاقتراض، وزيادة موازنة الدفاع، مع الاستمرار في دعم أوكرانيا التي تسببت في زيادة التضخم الاقتصادي في دول أوروبا.
2- صعود اليمين المتطرف: وهي ظاهرة كانت حاضرة في الانتخابات السابقة التي شهدتها ألمانيا والتي أسفرت عن صعود شولتز وائتلافه الحاكم في ألمانيا، إذ كان حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف من أقرب منافسي في انتخابات ولاية براندنبورغ، وهو ما يشير إلى احتمال خوض أحزاب اليمين المتطرف الانتخابات في مواجهة الأحزاب القومية واليسارية في ألمانيا، ليتماشى المزاج الألماني مع المزاج الأوروبي بشكل عام، والذي يحكمه اليمين في كثير من الأصقاع الأوروبية.
3- أزمة اللاجئين: وهي الأزمة التي أضعفت من مركز حكومة شولتز خاصة مع تزايد غضب الناخبين الألمان بشأن الهجرة المستمرة إلى البلاد مؤخرًا، خاصة مع امتلاء مراكز اللاجئين بأكثر من 174 ألف طلب لجوء تم تقديمه هذا العام 2024، طبقًا لإحصائيات صادرة عن مكتب تورينجا للإحصائيات، ثلثهم تقريبا من السوريين، وهو ما تسبب في تداعيات أمنية خطيرة كان أخرها حادث الدهس الذي تعرض له مواطنون في سوق بمدينة ماجديبورج، والذي تسبب في مقتل 4 أشخاص بالإضافة إلى إصابة أكثر من 205 آخرين بينهم حالات حرجة ومن قبلها حادث مقتل 3 أشخاص في هجوم بسكين في زولينجن وألقي القبض على سوري ليس لديه حق الإقامة في ألمانيا، وهي نفسها الاحداث التي يستغلها أحزاب اليمين المتطرف وأبرزها حزب البديل من أجل ألمانيا، والذي فاز في انتخابات ولاية تورينجيا في الأول من سبتمبر الماضي.
تداعيات السقوط:
1- نهاية شولتس: هناك عوامل مهمة ستمثل تداعيات كبيرة لسقوط حكومة أولاف شولتس، على الرغم من أصوات تنادي بضرورة إعادة طرح شولتس لنفسه في الانتخابات المقبلة، لكن على الرغم من تلك الأصوات فإن شولتس قد خسر بشكل فادح جراء سياساته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، إذ تشير استطلاعات الرأي بأن 23% فقط من الألمان يرغبون في أن يرشح شولتس نفسه لولاية ثانية، فيما يشعر 84% من الألمان بعدم الرضا عن حكومته، كما أن الأحزاب في “ائتلاف إشارات المرور” الذي يضم اليسار والخضر والليبراليين لن تفوز إلا بنحو 30% من الأصوات، وفقاً لاستطلاع حديث، مقارنة بنحو 52% في الانتخابات الأخيرة، وهو ما قد يفسح المجال أمام أحزاب اليمين المتطرف للصعود، وهو ما يشير إلى أن قرارات شولتس كتبت نهايته السياسية في ألمانيا.
2- تحجيم اللجوء: هناك تداعيات أخرى أبرزها تغيير سياسات ألمانيا تجاه اللجوء، ما قد يجعلها تتماهى مع الموقف والمزاج الأوروبي العام الرافض لدخول اللاجئين إلى ألمانيا، والانضمام إلى جانب تطبيق ميثاق اللجوء والهجرة، والذي من شأنه أن يحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا وبالتحديد إلى ألمانيا، التي شهدت في الآونة الأخيرة حادث متكررة ضد الألمان تورط فيها طالبي لجوء من جنسيات عربية أبرزها الجنسية السورية.
3- تراجع الدعم لأوكرانيا: وهي القضية التي ستشهد تراجعًا كبيرًا خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن شولتس كان من أكبر المطالبين بضرورة دعم أوكرانيا عسكريًا في مواجهة التقدم الروسي على الجغرافيا الأوكرانية، حيث طالب نظراءه في حلف شمال الأطلسي “الناتو” بضرورة تقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا في مجالات الدفاع الجوي أو المدفعية أو الذخيرة، كما أبرز أن ألمانيا تعهدت بتسليم أوكرانيا مساعدات عسكرية بمبلغ 28 مليار يورو. كما أكد دعم بلاده لأوكرانيا بأكثر من 600 مليون دولار قبل نهاية العام. إذ أن المتغيرات الجديدة على الساحة السياسية الألمانية تشير إلى احتمال تراجع الدعم العسكري الألماني لأوكرانيا بعد تراجع شولتس عن تصدر المشهد السياسي من جانب، واحتمال بروز وجه يميني أو حتى قومي رافض لاستمرار الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا في ظل أزمات اقتصادية في الداخل الألماني مع ركود اقتصادي كبير، خاصة مع إحصائيات سلبية أبرزها إحصاء معهد إيفو الألماني عن مؤشر مناخ الأعمال، والذي رصد انخفاضًا في مؤشر مناخ الأعمال في ألمانيا إلى 84.7 نقطة في ديسمبر من 85.6 في نوفمبر.
في المجمل .. يمكن القول إن الأحداث الأخيرة كتبت نهاية شولتس، وتسببت في بروز نجم اليمين المتطرف والذي سيتسق في رد فعله مع المزاج العام لأوروبا، إذ كان شولتس بسياساته الداعمة لأوكرانيا على حساب روسيا، وتضرر الاقتصاد الألماني جراء مطالبته بتعليق نظام كبح الديون الدستوري ما تسبب في زيادة التضخم وارتفاع الأسعار وغيرها من الأزمات الاقتصادية الحلقة الأخيرة في تغير السياق الأوروبي تجاه تلك القضايا.