تداعيات قرارات “الترحيل السريع” على مستقبل اللاجئين في أوروبا

يعتبر موضوع اللاجئين في أوروبا هو الشغل الشاغل لمشرعي القوانين المتعلقة بوضع اللاجئين في القارة العجوز، إذ على الرغم من التشديدات الأمنية التي تجري من وقت لآخر ضد اللاجئين المتواجدين في الدول الاوروبية، فضلًا عن التعقيدات التشريعية التي ترسمها المجالس التشريعية الأوروبية، إلا ان دولا كثيرة تعمل على إصدار تشريعات من شأنها ان تعزز تسريع مهمة التخلص من اللاجئين في دول الاتحاد الاوروبي.
وكان أبرز تجليات ذلك أن اعتمدت المفوضية الاوروبية مقترحا يقضي بإقامة مراكز ترحيل في مناطق خارج دول الاتحاد لمن سيتم ترحيلهم إلى مواطنهم الأصلية بعد رفض طلبات لجوئهم إلى أي دولة من دول الاتحاد، مستبقة بذلك تطبيق بنود التشريع المعروف باسم “ميثاق الهجرة واللجوء” والذي من المفترض ان يبدا تطبيقه العام المقبل 2026.
محددات القرار:
أولًا: يشير قرار المفوضية الأوروبية بتسريع ترحيل اللاجئين إلى أن القرار يسري على من رُفضت طلبات لجوئهم في أوروبا، تمهيدا لترحيلهم إلى ما يسمى بـ”مراكز العودة”، والتي من المقرر أن تكون في مناطق خارج دول الاتحاد الأوروبي إذ اعتبرت المفوضية ان صدور أمر مغادرة لمهاجر من إحدى الدول الأعضاء أمرا بمغادرة الاتحاد بأكمله، وعليه فإن اللاجئ المرفوض إقامته في دولة ما ستٌرفض إقامته في عموم أوروبا، علاوة على أنه سيواجه برفض جماعي من دول التكتل أجمع.
ثانيًا: يعد ذلك المقترح جزءً من ميثاق الهجرة واللجوء الذي تمت الموافقة عليه في أواخر عام 2023، والذي يستهدف الحد من عمليات اللجوء في أوروبا، حيث ستتمكن دول أوروبا من التخلص من اللاجئين وإيداعهم في مراكز العودة تمهيدًا لترحيلهم لمواطنهم الأصلية، بعد إعادة فرز طلبات اللجوء التي تقدم بها اللاجئين خلال الفترة الماضية.
ثالثًا: من أجل ضمان التنفيذ الفعلي والسريع للقرار تقترح المفوضية فرض قواعد صارمة على رافضي المغادرة من خلال مصادرة وثائق هويتهم، واحتجازهم، وفرض حظر على دخولهم إلى الأراضي الأوروبية من دول أخرى بالتنسيق بين دول الاتحاد وبعضها، مع الاعتراف المتبادل بقرارات فردية تخص تقويض دخول اللاجئين.
تداعيات القرار:
تظل تداعيات القرار أو المقترح الذي تبنته المفوضية الاوروبية مرهونًا بمدى قابليته للتفعيل، إذ تعمل عدة دول أوروبية مؤخرًا على تشديد دخول اللاجئين إليها، وإعادة النظر في قرارات اللجوء وتم رفض عدد كبير منها، بجانب انخفاض كبير في نسب طلبات اللجوء لعدة دول أوروبية منذ بدء مناقشة تقويض دخول اللاجئين إلى دول أوروبا، والذي يتزامن مع صعود أحزاب اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهدتها عدة دول أوروبية.
لكن القرار يظل داعمًا لممارسات دول اوروبية لجأت إلى تفعيل تشريعات تستهدف تقويض وجود اللاجئين لديها، كما أسرعت دول اخرى في تنفيذ مقترح المفوضية، حيث تعمل الدول الإسكندنافية وهولندا على تنفيذ ما جاء في ذلك المقترح بإنشاء مراكز العودة على حدودها.
يشجع القرار الدول الأوروبية على انتهاج سياسات سريعة لترحيل اللاجئين، حيث من المقرر ان تبدا دول اوروبا حملات أمنية للنظر في طلبات اللجوء التي يتقدم بها لاجئين ثم ملاحقات أمنية لمن ترفض طلبات لجوئهم، علاوة على لجوء دول أوروبية لانتهاج سياسات فردية تمهيد لتنفيذ ميثاق اللجوء، حيث تمهد دول أوروبا بتلك الإجراءات الاستثنائية لتطبيق الميثاق فور إقراره، مع وجود الدعم اللوجيستي لتنفيذه وإقامة المراكز التي نص عليها الميثاق، وإجراء الملاحقات الامنية بعد إعادة النظر في الطلبات المرفوضة، ومن ثم سيكون الميثاق مفعلا منذ لحظة إقراره.
يضاف إلى ذلك أن دولًا اوروبية قد تلجا في مرحلة ما إلى إلغاء قرارات اللجوء التي أصدرتها، تماما كما فعلت النمسا التي أرسلت رسائل نصية إلى مواطنين حصلوا على قرارات لجوء، بأن أرسلت لهم رسائل تفيد بإلغاء وضع اللاجئ الذين حصلوا عليهم، وهو ما يستوجب رحيلهم طواعية أو ترحيلهم قسرًا.
قد يشجع ذلك دولًا أوروبية أخرى على أن تسلك نفس الطريق للاعتراف بقرارات منفردة لدول أوروبية من شأنها أن تهدد بقاء اللاجئين سواء الحاصلين على وضع قانوني أو من هم بخلاف ذلك، وهو ما يزيد من أزمة بقاء اللاجئين في اوروبا ويقلل من اعتماد العرب ودول العالم الثالث على اللجوء إلى أوروبا باعتبارها موطنًا طاردًا للعناصر غير الأوروبية، وهو مايجعل منهم أشخاصًا غير مرحب بهم على أراضي دول التكتل الـ 27.
خاتمة:
باتت هناك عوامل تسهم في تسريع وتيرة الحد من ولوج اللاجئين إلى دول أوروبا أبرزها عاملين مهمين هما صعود احزاب اليمين المتطرف، وثانيًا التشريعات السريعة للحد من تدفق اللاجئين وممارسة تضييقات على اللاجئين في الداخل، وكل ذلك يهدف إلى جعل أوروبا خالية من اللاجئين، أو على أقصى تقدير تقليل طلبات اللجوء بمعدلات قياسية، خاصة بعد صدور التقرير السنوي عن وكالة اللجوء الأوروبية الذي قال إن دول الاتحاد مجتمعة تلقتت فقط مليون طلب لجوء في العام الماضي، وهو أقل بنسبة 11 % من العام السابق، وهو ما يجعل من التشريعات والقرارات الصادرة حديثًا تسهم في تقليل العدد إلى أقل من ذلك وهي معدلات قياسية مقارنة بمرحلة ما بعد 2011.
وتشير تلك الإحصائيات إلى ان القرارات الأوروبية نجحت إلى حد كبير في تقليل نسبة وجود اللاجئين على أراضيها، ومنعت دخول لاجئين جدد بناء على تلك التشريعات، وهو ما يعد نجاحًا كبيرا لبرامج أحزاب اليمين المتطرف، ورسالتها الداعمة للحفاظ على الهوية الأوروبية، ويطيل من عمر تلك الأحزاب اليمينية في سدة الحكم في دول أوروبية كثيرة ويجعلها قادرة على تنفيذ مخططاتها الداعمة لترحيل اللاجئين، وقد تعتبر تلك الأحزاب ان ما وصل إليه القارة الأوروبية الآن هو المرحلة الأولى من برامج خفض عدد اللاجئين لديها، إذ قد تستهدفهم أوروبا بتشريعات جديدة في المستقبل.