تداعيات صعود ترامب على مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية

تتخوف دول أوروبا من صعود نجم المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب، خاصة وأنه لا يحبذ استمرار الحرب الروسية الأوكرانية أو استمرار الدعم الأمريكي المالي والعسكري لأوكرانيا على شاكلته الحالية، وهو ما صرح به في أكثر من مناسبة خلال جولاته الانتخابية، إذ انتقد إدارة بايدن في تعاملها مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالمقارنة بتعامل دول أوروبا نفسها معه.
ويمكن فصل مخاوف أوروبا عن أيديولوجية ساكن البيت الأبيض، خاصة وأن المرشح الجمهوري دونالد ترامب سبق أن خرج من عدة اتفاقيات أبرمتها واشنطن مع قوى دولية اعتراضًا منه على عدم تكافؤ التمويلات، إذ انسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” مع إيران في مايو من عام 2018 اعتراضًا على الدعم المالي الأمريكي لإيران، كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ في الأول من يونيو 2017، اعتراضًا على تقديم واشنطن 3 مليار دولار لأبحاث التغير المناخي، كما هدد في وقت سابق بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي “الناتو” إذا لم تقدم دول أوروبا دعمًا ماليًا إضافيًا.
الحالة الأوكرانية
وفي الحالة الأوكرانية تتخوف أوروبا من تقليص واشنطن للدعم المالي والعسكري اللازمين لأوكرانيا مع صعود رجل الأعمال وعاقد الصفقات البارز دونالد ترامب، خاصة وأن يشعر أن واشنطن تعطي أوكرانيا أكثر من اللازم، إذ نقلت صحيفة بوليتيكو عن ترامب قول: “أوروبا تدفع جزءً صغيرًا من الأموال مقارنة بما تدفعه الولايات المتحدة، وأن ذلك ليس عادلًا على الإطلاق”، وهو ما يشير إلى احتمالية تقليص الدعم الأمريكي المقدم إلى أوكرانيا، وهو ما قد يسبب حرجًا كبيرًا لدول أوروبا المتأزمة اقتصاديًا بسبب الحرب وسياسات الأحزاب الحاكمة وتدفق اللاجئين، وتحتاج إلى التمويل الأمريكي الكبير لأوكرانيا للتخفيف عنها، وإلا سيجعلها في حرج بالغ إزاء التقدم العسكري الروسي الكبير على الجبهة الأوكرانية.
وقد لا يتماهى الموقف الأمريكي مع الموقف الأوروبي حيال الحرب الروسية الأوكرانية، إذ يمكن أن يسير الموقف الأمريكي على أحد الاحتمالات التالية:
أولًا صفقة لإنهاء الحرب: وهو ما كشف عنه معهد أبحاث “أميركا فيرست” المقرب من ترامب، والذي نشر ورقة بحثية تضم مقترحًا وافق عليه ترامب لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والذي ينص على إجبار أوكرانيا على الانخراط في مباحثات السلام من خلال تهديدها بوقف الدعم العسكري الأمريكي، وإقناع روسيا بالمحادثات نفسها بإبلاغها تأجيل ضم أوكرانيا لحلف الناتو، مع تحقيق وقف لإطلاق النار على أساس خطوط المعركة السائدة خلال محادثات السلام، وهو ما يعطي أفضلية لروسيا على أرض المعركة، ويجبر أوكرانيا على القبول بخطة ترامب مادام هناك تقليص لحجم الدعم العسكري وضعف أوروبا أمام تقديم دعم كبير، في ظل تصاعد أصوات أوروبية تطلب تقليص الدعم العسكري لأوكرانيا وأصواتًا أخرى تطلب التفاوض مع روسيا لوقف الحرب التي استنزفت دول أوروبا، وهي أصوات أحزاب اليمين المتطرف التي ملأت البرلمان الأوروبي في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يصعب من موقف أوروبا ويزيد من حدة التهديدات التي تواجهها.
ثانيًا قرض لا هدية: يدرك دونالد ترامب حجم التمويلات المالية والمساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن في الحرب الروسية لمنع تقدم روسيا في شرق أوروبا من جانب، علاوة على إدراكه مدى الإلحاح الأوكراني بتقديم ذلك الدعم، وهو ما جعله يضع حلًا – رأسماليًا – لمساعدة أوكرانيا من جانب وعدم إلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي من جانب، من خلال تقديم المساعدات الأمريكية في شكل “قرض” بدلًا من كونها منحة لا ترد، وهو ما قد يجعل دولًا أوروبية تنحو منحى ترامب ما سيعقد
الموقف العسكري في أوكرانيا بشكل كبير، في ظل عدم قدرة أوكرانيا على سداد تلك القروض في المستقبل القريب أو المتوسط.
ثالثًا: تحالفات جديدة لمواجهة “ميثاق أوكرانيا”: حاولت دول أوروبا والإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية تكبيل الرئيس القادم وإجباره على نهج سياسات محددة في إطار دعم أوكرانيا، إذ انعقدت في واشنطن في يوليو الماضي القمة 33 لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، والتي شهدت التوقيع على ما عرف بـ”ميثاق أوكرانيا”، والذي بموجبه يستمر الدعم الأمريكي لأوكرانيا بصرف النظر عن توجه ساكن البيت الأبيض، وهو الميثاق الذي وقعت عليه أكثر من 20 دولة، من بينها اليابان ودول الاتحاد الأوروبي. لكن سياسة ترامب في عقد التحالفات أو الانسحاب من أيًا منها ورفعه شعار “أمريكا أولًا” يجعل من الصعب أن يلتزم ترامب بتلك التحالفات أو المواثيق، وهو القادر على عقد تحالفات موازية مع قوى أوروبية يمينية قد تتماهى في موقفها مع موقف ترامب من دعم أوكرانيا وبالتالي يكون ميثاق أوكرانيا بمثابة الاتفاق المعطل.
يقين الهزيمة الأوكرانية
جملة القول إن المرشح الجمهوري في الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب لديه القدرة على الانسحاب من أي تكتل أو تحالف قد يخصم من الرصيد الأمريكي نفوذًا وأموالًا، وهو يتعامل بمنطق رجل الأعمال الذي يعقد الصفقات التي لا تجعله يخرج خاسرًا من أي اتفاق.. وعليه يمكن أن يلجأ ترامب إلى إحدى السيناريوهات الثلاثة السابقة، والتي تخصم جميعها من نفوذ دول أوروبا، خاصة مع كسب روسيا مناطق واسعة خلال الحرب من جانب، وعدم قدرة تلك الدول على الوفاء بالكثير من الالتزامات المالية والعسكرية، خاصة وأن بعض دول أوروبا وعلى رأسها هولندا باتت على يقين من هزيمة أوكرانيا في تلك الحرب، طبقًا لما أعلنته وزيرة الدفاع الهولندية كايسا أولونغرين، التي قالت إن الوضع على الجبهة بات صعبًا بالنسبة لكييف وأن أوكرانيا باتت غير قادرة على هزيمة روسيا.
وعليه يمكن لعدة دول أوروبية أن تتفق مع ترامب على الضغط على أوكرانيا للقبول بمبدأ “الأمن مقابل السلام”، ووقف الحرب بناءً على أخر المستجدات على الأرض، مع رفض دول الناتو ضم أوكرانيا إلى الحلف، خوفًا من انسحاب أمريكي من الدعم المالي سواء لأوكرانيا أو الناتو بشكل عام، بمعنى وقوف دول أوروبا على أرضية مشتركة مع الرئيس الأمريكي حيال بعض القضايا التي تمس الأمن الأوروبي.