تداعيات إقرار قوانين الهجرة في بريطانيا على مستقبل اللاجئين

أثار القرار البريطاني الصادر في العاشر من فبراير الجاري بشأن اللاجئين رد فعل واسع النطاق في المملكة المتحدة، بعد أن بات يهدد مستقبل اللاجئين في بريطانيا. إذ أعلنت وزارة الداخلية البريطانية وقف منح جنسية المملكة المتحدة لأي لاجئ تقدم بأوراقه للتسجيل بعد يوم العاشر من فبراير 2025، كما تقرر وقف منح الجنسيات للاجئين القادمين إلى بريطانيا بشكل غير قانوني، وهو ما يضيف أعباء جديدة على كاهل اللاجئين القادمين من دول الصراعات، ويجعل مصيرهم ملبد بالغيوم في عاصمة الضباب.
محددات القرار البريطاني
تشير ضوابط القرار البريطاني المفاجئ للاجئين إلى أن المملكة ترغب في تقويض تدفق حركة اللاجئين لديها، بجانب أن القرار يحفز اللاجئين في بريطانيا إلى الخروج إلى دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي بحثًا عن مآوى لها في ظل محددات القرار التي تنص على مايلي:
- لن تمنح الجنسية البريطانية لأي مهاجر دخل البلاد عبر رحلة غير شرعية أو خطيرة عبر مراكب شراعية صغيرة أو من سبق لهم الدخول إلى المملكة عبر بحر المانش.
- يحرم هذا القرار أكثر من 70 ألف شخص من الحصول على المواطنة في المملكة المتحدة ممن تقدموا بأوراقهم للتسجيل لدى مجلس اللجوء البريطاني.
- يوقف القرار عملية اندماج اللاجئين في المجتمع البريطاني، وهو ما يقف عقبة أمام تشغيلهم أو التحاقهم بالوظائف المختلفة.
- تستمر السلطات البريطانية في فحص طلبات اللجوء لمعرفة القادمين إلى بريطانيا قبل إصدار القرار.
- يتم فحص كل حالة من طلبات اللجوء على حدة للتيقن من الأمر
- لن يتم منح الجنسية للاجئين مهما كان الوقت الذي قضاه في المملكة
وفي كل الأحوال فمن شأن القانون أن يهدد استقرار وأمن ما يزيد عن 70 الف لاجئ في بريطانيا، ممن عبروا بحر المانش مؤخرًا للدخول إلى المملكة المتحدة، خاصة وأن القوانين السابقة الخاصة باللاجئين في بريطانيا كانت تنص على منح الجنسية البريطانية للاجئين بعد أن يتقدموا لفحص أوراقهم مع ضمان بقائهم في المملكة لمدة 10 سنوات، أما بعد القرار فلا مدة محددة تسمح بمنح الجنسية ولا اندماج مجتمعي بشكل مؤقت للاجئين، وهو ما قد يجبرهم على الفرار سريعًا من بريطانيا خشية الملاحقات الأمنية لأجهزة الشرطة البريطانية، خاصة وأنه قد سبق إصدار القرار إعلان الحكومة البريطانية عن إطلاقها لحملة مداهمات للبحث عن لاجئين أو مقيمين غير شرعيين في مناطق عدة بالمملكة، حيث تم تفتيش مئات المؤسسات ومراكز المهن الحرفية التي تؤوي لاجئين كمغاسل السيارات وصالونات الحلاقة والتجميل والمطاعم والكافيهات.
كما سبق الإعلان عن ذلك القرار المثير للجدل تمرير البرلمان البريطاني لقانون داعم لذلك التوجه أطلق عليه “قانون أمن الحدود”، وهو القانون الذي يجرم ناقلي البشر عبر الحدود أو المهربين، ويصنفهم في فئة الإرهابيين، كما يسمح القانون بإطلاق يد الشرطة لضبط المهاجرين غير الشرعيين ومهربيهم إلى المملكة المتحدة، وهو ما يشير إلى رغبة المملكة المتحدة في تصفير حركة تدفق اللاجئين إليها بعد أن تزايدت مؤخرًا عقب وصول نسب كبيرة من اللاجئين من فرنسا.
تداعيات القرار
لقد رسم القرار ملامح جديدة لتعامل بريطانيا – منفردة – مع اللاجئين ومن يعملون على تهريبهم على حد سواء. إذ على الرغم من وجود قوانين أصلا في المملكة المتحدة تحد من ظروف اللجوء وتضع ضوابط وقواعد صارمة لمنع وصول المهاجرين غير الشرعيين إليها، إلا أن بيان وزارة الخارجية أكد على أن القرار الجديد جاء ليعزز التدابير المعمول بها ليتضح للاجئين أن لا مكان لهم في بريطانيا، وأن الدخول إلى المملكة بطريقة غير شرعية ستضر اللاجئ والمهرب معًا وتضع الطرفين تحت طائلة القانون وإمكانية الترحيل إلى موطنهم الأصلي، وهو ما يعد رسالة مفهومة وواضحة لأسماع اللاجئين.
ومن تداعيات القرار أنه خلق حالة من الاستقطاب بين أعضاء حكومة حزب العمال الحاكم من جانب، ولاقى القرار إعجاب أحزاب أخرى يمينية من جانب آخر كحزب الإصلاح الذي يتزعمه نايغل فاراج، والذي يعلي من تصريحاته المناهضة للاجئين، ما يعني أن القرار اتسق مع أجندة أحزاب اليمين في بريطانيا وخلق حالة من الاستقطاب داخل الحزب الحاكم من جانب آخر.
وقد دخلت عدة منظمات على خط انتقاد القرار وعلى رأسها منظمة “الحركة الحرة” في بريطانيا، والتي وصفت القرار بأنه مجحف بحق اللاجئين، ويضر عملية اندماجهم في المجتمع البريطاني. كما دعم ذلك الموقف مراكز بحثية واستطلاعات رأي أبرزها الاستطلاع الصادر عن مركز معهد المستقبل البريطاني المتخصص في أبحاث العرق والهوية، والذي أصدر استطلاعًا يشير إلى موافقة حوالي 44% على منح اللاجئين الجنسية إذا عاش بشكل قانوني في بريطانيا لمدة ست سنوات.
لكن في كل الأحوال يأتي ذلك التوجه في ضوء رغبة حزب العمال الذي يتزعمه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بتقليص الهجرة بكل أنواعها سواءً القانونية أو غير القانونية، بعد أن كشفت تقديرات وزارة الداخلية البريطانية بارتفاع نسبة تدفق اللاجئين منذ منتصف العام الماضي وحتى بدايات العام الحالي بنسبة 25% عن الفترة ذاتها من العام الماضي، ليتسق الحزب في اتجاهاته مع توجهات اليمين المتطرف في أنحاء أوروبا وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت في سن القوانين والتشريعات وإصدار الأوامر التنفيذية للحد من الهجرة إلى أراضيها.
خاتمة
يبدو من سياق القرار أن حزب العمال يحاول استمالة الناخبين اليمينيين الراغبين في تقويض حركة اللاجئين إلى بلادهم، لكن في النهاية فإن القرار من شأنه ألا يخضع للمراجعة لعدة أسباب أبرزها تجانس القرار مع المزاج العام في أوروبا وكذا في المملكة المتحدة، إلا أن السلطات البريطانية عليها أن تعيد النظر في قرار عدم دمج اللاجئين خاصة وأن الاقتصاد البريطاني يعاني من نقص في الأيدي العاملة، وهو ما سيكون له تأثيره على سوق العمل في البلاد في الفترة المقبلة.
لكن أبرز التداعيات التي قد تؤثر على المجتمع البريطاني هو تزايد جرائم العنف الناتجة عن تطبيق مثل تلك القوانين، كحالات الدهس والطعن، وغيرها من الجرائم التي تحدث بحق المدنيين نتيجة التشريعات التي تتسبب في تضييق على اللاجئين والمهاجرين، إذ بات أبرز تجلياتها ما حدث في ألمانيا خلال اليومين الماضيين، بعد أن أقدم لاجئ أفغاني سبق له التقدم بطلب لجوء على دهس عدد من المواطنين في أحد الأسواق الكبرى مدينة ميونيخ الألمانية، ما تسبب في وقوع عشرات المصابين والقتلى، فضلًا عن تعرض عدة عواصم عالمية خلال الفترة الماضية لمثل تلك الحوادث الناتجة عن التضييقات الأمنية على اللاجئين.