المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / تأثير حوادث الاعتداء في أوروبا على مستقبل الحكومات اليمينية

تأثير حوادث الاعتداء في أوروبا على مستقبل الحكومات اليمينية

تأثير حوادث الاعتداء في أوروبا على مستقبل الحكومات اليمينية

شهدا الأسابيع الماضية عدة حوادث في مناطق متفرقة لكنها كانت كله في دول أوروبية، إذ شهدت مدينة بروكسل في بلجيكا عاصمة الاتحاد الأوروبي حادث إطلاق نار في احد محطات مترو الأنفاق، علاوة على رصد رجلين يحملان أسلحة نارية في محطة مترو تقع في مدينة أندرلخت، ما اثار ردود فعل غاضبة حيال الإنفلات الأمني في المدينة الاستراتيجية. كما شهدت دولة السويد ما وصف بأنه “أسوأ عملية قتل جماعي في تاريخ البلاد”، بعدما لجأ شخص إلى فتح النيران على مركز تعليمي للبالغين في مدينة أوربرو وسط السويد، ما تسبب في مقتل 11 شخصًا وانتحار القاتل.

وعلى الرغم من دموية الحادثين، إلا أن السلطات الأمنية في كلا البلدين لم تجب عن الأسئلة المعتادة في تلك الأحوال، وأبرزها هوية الجاني في كلا الحادثين، والدافع وراء تلك الحوادث، إذ رجحت السلطات الأمنية البلجيكية أن يكون الحادث الأول نتج عن خلاف بين تجار مخدرات، فيما فشلت السويد في كشف الحقائق المتعلقة بحادث إطلاق النار الدموي، وقالت إنه لا يوجد دليل حتى الآن على أن مُطلق النار، والذي عُثر على جثته في مكان الواقعة، كانت له “دوافع إيديولوجية”. ما يشير إلى أن السلطات الأمنية السويدية لا تريد أن تربط بين الحادث وبين متطرفين من اللاجئين في البلاد أو أصحاب الدوافع الفكرية.

لكن في كل الأحوال يمكن توصيف تلك الحوادث في عدة أطر على النحو التالي:

  • الضعف الأمني: الذي كشفته تصريحات المسؤولين الأمنيين حول الحادثين، مع غموض التفاصيل عن الحادث الثاني الذي وقع في السويد وتسبب في سقوط عشرات القتلى، فيما لا تزال السلطات الأمنية تعمل للوصول إلى تفاصيل أكثرعن مرتكب الواقعة، خاصة في ظل ظروف تمر بها القارة الأوروبية، أبرزها صعود نجم الأحزاب اليمينية المتطرفة التي نجحت في الانتخابات التشريعية التي جرت في عدة عواصم أوروبية.
  • تخبط في رسم السيناريوهات: وهو ما اتضح من التصريحات الرسمية الصادرة عن كلا الحكومتين، إذ قالت سلطات بلجيكا أن حادث إطلاق النار في محطة المترو ناتج عن انفلات أمني وتجرؤ تجار المخدرات على الاشتباك في الأماكن العامة، فيما كشفت تصريحات المسؤولين بشأن الحادث الثاني في السويد أن الجاني تصرف بمفرده من دون أي دوافع أيديولوجية، إذ حاولت حكومة السويد إبعاد الشبهات عن تورط لاجئين أو تعظيم لفكرة “الإسلاموفوبيا” المتعارف عليها في أوروبا، والتأكيد على أن الحادث فردي، فيما يشترك الطرفان في حالة تخبط واضحة بعد أن تأخرت الحكومتان في الإعلان عن تفاصيل الحادثين وطبيعة المنفذين.

لكن تلك الحوادث في المستقبل القريب قد يكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل الحكومات الأوروبية الجديدة، والتي قد تمثلها أحزاب يمينية متطرفة، ما قد يزيد من حدة تلك الهجمات من وقت لأخر. يدعم ذلك خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العنصري تجاه اللاجئين والمهاجرين سواء في الولايات المتحدة أو في دول أوروبا، وهو ما قد يضع تلك الحكومات في حرج بالغ إزاء زيادة حدة تلك الهجمات من وقت لأخر بناء على التصريحات العدائية لرموز اليمين تجاه اللاجئين.

وفي حالة الهجوم على مدرسة تعليم الكبار في مدينة أوريبرو السويدية، يكشف الكاتب السويدي Henrik Magnus عن خيوط قد تكشف الدوافع وراء الحادث، إذ رجح أن يكون احد المتأثرين بافكار اليمين المتطرف هو من يقف وراء الحادث لعدة اسباب، أبرزها ان المدرسة الخاصة بتعليم الكبار كانت مدرسة مخصصة للمسلمين المهاجرين والكثير من ذوي الأصول المهاجرة. واعتقد ان من يستهدف المسلمين المهاجرين دون غيرهم فلابد أنه بالفعل يستهدفهم هم وليس غيرهم، وكانه استهداف انتقامي عرقي أو ديني.

وعلى أية حال.. يكشف مقال الكاتب السويدي الذي نشره المركز السويدي للمعلومات عن أن الحادث ربما يسلط الضوء على تأثير خطاب اليمين المتطرف في المواطنين أنفسهم، ما يحملهم على الانتقام من المهاجرين بطرق غير مشروعة وغيرمبررة، في ظل استمرار تصاعد لهجة العداء من اليمين المتطرف تجاه المهاجرين، منذ تولي الحكومة اليمينية الحالية السلطة في عام 2022، والتي تشترك فيها مع حزب “سفاريا ديموقراتنا” والذين يعلنون يوميًا كراهيتهم للمهاجرين.

ولم يقف الامر بالطبع عند ذلك الحد بل سبقه احداث اخرى جسام كان أبرزها إقدام المدعو سلوان موميكا على إحراق نسخ من القرآن الكريم وتدنيسه، ما أسفر عن اقتحام اشخاص آخرين لمسكنه وإطلاق الأعيرة النارية عليه ما أودت بحياته، كما سبق أن أحرق نسخا من المصحف الشريف في حماية الشرطة السويدية وأمام أحد المساجد الكبرى في يوم عيد الأضحى الماضي.

في كل الأحوال بات من المهم النظر إلى برامج أحزاب اليمين المتطرف على أنها برامج وتصريحات عدائية قد تتسبب في خلق حالة من الانفلات الأمني في عموم أوروبا، فضلا عن تحويل الدفة من وجود ازمة تتعلق بتصاعد حوادث الدهس والطعن بحق الأوروبيين من جانب المهاجرين، إلى طريقة مغايرة وهي تصاعد عمليات الدهس والطعن وإطلاق النار على المهاجرين وأماكن تمركزاتهم وتعليمهم من قبل مواطني الدولة، من المتأثرين بخطاب اليمين المتطرف، وهو ما يضع مستقبل أحزاب وحكومات اليمين المتطرف على المحك في أوروبا، ويحرج مركزها السياسي نتيجة خطابها العدائي الواضح والعلني، والذي تسبب في نتائج كارثية، تتمثل في سيادة نزعة التطرف القومي والانفلات الأمني الواضح في عموم أوروبا.

خاتمة

يجب على أحزاب اليمين المتطرف أن تعدل من خطابها السياسي وتجعله اكثر توازنا ، وإن ركزت في مجريات برامجها على تقويض تدفق اللاجئين إلى اوروبا، فلتجعل من ذلك سياسة غير علانية من اجل ضمان ألا يسلك المواطنين من المتعاطفين مع خطاب اليمين الأوروبي مسلكًا إجراميًا يسهم في تحويل دول أوروبا لساحة صراع واسعة بين المهاجرين وأبناء البلد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *