المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / بين فيلدرز واللاجئين: حديث صريح في البيت الهولندي

بين فيلدرز واللاجئين: حديث صريح في البيت الهولندي

بين فيلدرز واللاجئين: حديث صريح في البيت الهولندي

 

في مساء هادئ زارتني صديقة هولندية عزيزة، وجلسنا نتحدث عن الحياة وتفاصيلها. وكما يحدث كثيرًا، تطرق الحديث إلى السياسة، وتحديدًا إلى استقالة السياسي المثير للجدل خيرت فيلدرز. أخبرتني أن كثيرين سعدوا بخبر استقالته، لكنها قلقة من عودته بشكل أقوى بعد الانتخابات، لأنه لا يزال يمثل صوتًا يجد أصداء واسعة في الشارع الهولندي.

قلت لها إن السبب الحقيقي لصعود فيلدرز في الانتخابات السابقة هو أزمة اللاجئين، لكن هذه الأزمة خفت حدتها الآن، ليس بفضله، بل لأسباب أخرى، مثل انحسار الأزمة السورية وانخفاض أعداد طالبي اللجوء، حسب الإحصائيات الأخيرة. ردّت عليّ بحزم: “العدد الجديد من اللاجئين قد يكون أقل، لكن الكامبات (مراكز الإيواء المؤقتة) ممتلئة أكثر من أي وقت مضى، بسبب بطء الإجراءات وغياب الحلول الفعالة. القادمون الجدد انضموا إلى من توقفت ملفاتهم منذ العام الماضي”.

سردت لي ما تسمعه من أصدقائها: هناك سخط عام، فبرأيهم اللاجئون يفاقمون أزمة السكن، ويشغلون مساكن كان يُفترض أن تذهب لكبار السن أو الشباب الهولنديين. حتى طبيب الأسرة، تقول، أصبح من المستحيل التسجيل لديه في المدن الكبرى. “أمي مضطرة للذهاب إلى بلدة أخرى لمجرد فحص ضغط الدم، وتدفع أجرة التاكسي من معاشها، بينما يقولون لها إن السبب أن اللاجئين أخذوا أماكن كثيرة”. ولم تتوقف هنا، بل أضافت أن اللاجئ يأخذ وقتًا أطول لدى الطبيب بسبب حاجز اللغة، مما يزيد الضغط على النظام الصحي.

شعرت بأنني لا أستطيع الدفاع كما ينبغي. لغتي الهولندية ليست قوية بما يكفي، لكنني حاولت أن أوضح أن نسبة اللاجئين الذين حصلوا على مساكن هي أقل من 10%، وأن سبب أزمة السكن ليس وجودهم، بل البيروقراطية وتغوّل مصالح الشركات الكبيرة. حدثتها عن صديقي الطبيب السوري اللاجئ الذي يعمل بجد لتحسين لغته ومعادلة شهادته كي يعود للعمل. كثيرون مثله يسعون للاندماج والإسهام في إصلاح النظام، لا تعطيله.

لكنني، كالعادة، شعرت بعدم الاكتفاء. قضيت الليل أفكر في حديثنا. وفي صباح اليوم التالي، لجأت إلى الذكاء الاصطناعي (ChatGPT) للبحث عن إجابات موثوقة، وتصورات واقعية للحلول الممكنة لأزمة السكن وأزمة الأطباء.

  • اللاجئون حصلوا على 8% فقط من منازل الاسكان الاجتماعي التي خلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
  • أزمة السكن ناتجة بالأساس عن قلة البناء، وبطء إصدار التصاريح، وشروط سوق العقارات.
  • هناك نقص في عدد أطباء الأسرة في جميع المناطق تقريبًا، حتى دون النظر إلى وجود لاجئين.

 ما اقترحه الذكاء الاصطناعي من حلول:

في أزمة السكن:

  1. تسريع بناء المنازل الصغيرة والمتوسطة.
  2. تحويل المباني غير المستخدمة إلى مساكن.
  3. دعم مشاريع الإسكان الاجتماعي والمتوسط.
  4. تخفيف شروط معادلة الشهادات للمهاجرين العاملين في قطاع البناء.
  5. توزيع اللاجئين بشكل عادل بين البلديات.

في أزمة طبيب الأسرة وكبار السن:

  • فتح عيادات جديدة بدعم حكومي في المناطق المكتظة.
  • اعتماد المساعدين الطبيين لتخفيف الضغط على الأطباء.
  • تسهيل النقل المجاني أو المدعوم لكبار السن للمواعيد الطبية.
  • توسيع استخدام الاستشارات عن بُعد.
  • تقديم حوافز مالية للأطباء الذين يوسّعون ساعات استقبال المرضى.

 ما تعلمته من هذا النقاش:

كل طرف يرى الصورة من زاويته. صديقتي الهولندية لا تكره اللاجئين، لكنها تسمع معاناة أهلها وأصدقائها وتشعر بالخوف. وأنا، كلاجئ، لا أنكر وجود أزمة، لكنني أعرف أن هناك مبالغة في تحميل اللاجئين كل الأعباء. الحقيقة دائمًا مركبة، لا بالأبيض أو الأسود.

أزمة مثل فيلدرز لا تُحل بالصمت أو بالتبرير، بل بالحوار الصادق، الذي يبدأ بالاعتراف بالمشكلات، ثم التفكير المشترك في الحلول. ما يخيفني هو أن تجاهل هذه المشكلات يمنح المتطرفين مساحة أكبر، لأن الناس في النهاية تبحث عمن يلامس همومها.

لكن ما يبعث الأمل هو أنني لا زلت أجد أصدقاء مثقفين من الهولنديين، مثل صديقتي، مستعدون للاستماع والنقاش. وربما، في مثل هذه اللحظات البسيطة، تبدأ أولى خطوات التغيير.

ختامًا، نعم، بعض اللاجئين يحتاجون وقتًا أطول عند زيارة طبيب الأسرة، خاصة في سنواتهم الأولى، بسبب حاجز اللغة واختلاف الخلفية الثقافية. لكن هذا الوضع مؤقت، وغالبًا ما يتغير خلال السنوات الثلاث الأولى، مع تقدمهم في اللغة واندماجهم في المجتمع. والأهم، أن معظم اللاجئين هم من فئة الشباب القادرين على العمل، وسرعان ما يساهمون في سوق العمل، وفي النظام الضريبي الذي يمول الرعاية الصحية والاجتماعية للجميع.

لا يمكن اختزال التكلفة المؤقتة لبضع دقائق إضافية عند الطبيب، دون النظر إلى القيمة الإنسانية والاقتصادية التي يضيفها هؤلاء لاحقًا. إن التضامن لا يعني تجاهل التحديات، بل مواجهتها بإنصاف، وسياسات ذكية تراعي الواقع وتخدم مصلحة المجتمع كله، بدلًا من التحريض والتعميم.

رسالتي إلى من يشعر بالقلق من التغيرات: لا تخافوا من الإنسان، بل خافوا من اليوم الذي نفقد فيه إنسانيتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *