بين التقرير والقرار: هل يبدأ تحول حقيقي في ملف اللجوء اليمني؟

تقرير الخارجية يصنّف اليمن “غير آمن”… والهجرة لم تغيّر سياستها بعد.
بقلم: زكريا كرش (Zakarya Karash _NL)
في مارس 2024، أصدرت دائرة الهجرة والجنسية الهولندية (IND) قرارًا يقضي باعتبار اليمن بلدًا آمنًا. وقد أعقب هذا القرار موجة من رفض طلبات اللجوء اليمنية، ما أثار استياء واسعًا في أوساط اللاجئين اليمنيين، ومنظمات حقوق الإنسان، وحتى بعض المحامين.
الكثيرون رأوا في القرار تناقضًا صارخًا مع الواقع المتدهور في اليمن، حيث لا تزال مناطق واسعة من البلاد تعاني من نزاع مسلح مستمر، وانهيار شبه كامل في مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، تجعل الحياة اليومية شبه مستحيلة للكثير من المواطنين.
البعض اعتبره قرارًا سياسيًا لا يستند إلى تقييم موضوعي، وهو رأي أجد نفسي أتبناه أيضًا.
لكن في أبريل 2025، أصدرت وزارة الخارجية الهولندية تقريرًا جديدًا صنّفت فيه اليمن كبلد “غير آمن”، بل وأشارت إلى أنه شديد الخطورة في ظل تفاقم الأوضاع العسكرية والإنسانية، لا سيما مع الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر وميناء الحديدة، والتي لم تُفضِ إلا إلى مزيد من التعقيد.
كان هذا التقرير بمثابة بارقة أمل لليمنيين طالبي اللجوء، خصوصًا أولئك الذين تم تعليق ملفاتهم أو تلقوا قرارات رفضوصلت قضاياهم إلى المحاكم. ورغم أن التقرير صدر في أبريل، إلا أنه لم يُكشف للعامة إلا في يونيو، وذلك بعد ضغوط قوية من منظمات حقوقية ومحامين، باعتباره حقًا عامًا يجب الاطلاع عليه.
لكن المفارقة أن دائرة الهجرة والجنسية لم تعتمد هذا التقرير رسميًا حتى الآن، وما تزال ترفض بعض طلبات اللجوء اليمنية، رغم أن التقرير يتضمن معطيات قوية تصبّ في مصلحة اللاجئين.
عند نشر التقرير، عمت الفرحة الأوساط اليمنية في هولندا، إذ شكّل لحظة تنفيس بعد عام من التوتر والقلق. وُصفت هذه الفرحة بـ”الهستيرية”، واعتبرها البعض سابقة لأوانها، بحجة أن التقرير لم يُفعّل رسميًا بعد. ومع ذلك، فمضمون التقرير يفتح ثغرات قانونية واسعة يمكن للمحامين استخدامها لصالح اللاجئين، ويعيد التأكيد على ضرورة أن تتبع دائرة الهجرة سياسة أكثر إنصافًا، كما فعلت في السابق عندما استندت إلى تقرير مشابه من وزارة الخارجية.
من المهم هنا التمييز بين “القرار” و”التقرير”:
القرار: يصدر من جهة تنفيذية ويُطبق مباشرة.
التقرير: وثيقة تقييمية تصدر عن جهة رسمية (مثل وزارة الخارجية) وتحتوي على معلومات وتحليلات، لكنها لا تُلزم التنفيذ تلقائيًا.
ومع ذلك، فإن تقارير وزارة الخارجية الهولندية تحمل وزناً كبيرًا، وغالبًا ما تكون المرجع الأساسي الذي تستند إليه دائرة الهجرة في قراراتها. فالسؤال المنطقي هو: إن لم تكن تقارير الخارجية موثوقة، فمن نثق به إذن؟
يترقب اليمنيون في هولندا تحديثًا رسميًا في سياسة اللجوء، يعيد النظر في الإجراءات المعقدة المفروضة حاليًا، ويمنحهم الحق في الحماية استنادًا إلى الوضع العام في بلادهم، لا فقط على أساس القصص الفردية.
رأي شخصي…
رغم قوة التقرير، أعتقد أن على طالب اللجوء اليمني أن يروي قصته الشخصية بوضوح. لا يشترط أن تكون القصة مدعومة بأدلة دامغة، فالكثيرون فرّوا دون أن يكون لديهم وثائق. المهم أن تكون الرواية صادقة ومتماسكة، إلى جانب الاستناد إلى الوضع العام لليمن، الذي يبقى حتى اليوم أحد أخطر بؤر الصراع في العالم.
فحتى لو أعادت دائرة الهجرة الإجراءات الميسرة، القصص الفردية ستظل ضرورية، تحسّبًا لأي تغيّرات مستقبلية.