المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / الحلقة الثانية.. قدرة ميثاق الهجرة واللجوء على وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا

الحلقة الثانية.. قدرة ميثاق الهجرة واللجوء على وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا

الحلقة الثانية.. قدرة ميثاق الهجرة واللجوء على وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا

بمجرد تمرير الحزمة التشريعية الضخمة المعروفة باسم “ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي” داخل البرلمان الأوروبي، بعد حصولها على أغلبية موافقة بنسبة 55 % من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبدأ كثيرون يتسائلون عن جدوى تلك الحزمة التشريعية الكبيرة وقدرتها على تحجيم تدفق اللاجئين إلى دول أوروبا، بعد أزمة كبيرة شهدتها القارة العجوز نتيجة ما عرف باسم “أزمة اللجوء الكبرى” والتي بدأت مع مطلع عام 2015 وحتى الآن في ظل الحروب التي شهدتها عدة جغرافيات في العالم أبرزها أوكرانيا والسودان وسوريا والأراضي الفلسطينية، وهو ما تسبب في عودة تدفق اللاجئين مرة أخرى إلى أوروبا، وهو ما استوجب معه ضرورة العمل على إيجاد علاج ملائم لتلك الحالة.

قدرة الميثاق

تضم التشريعات التي أدرجت في ميثاق الهجرة واللجوء ضوابطًا صارمة للحد من استمرار تدفق اللاجئين إلى أوروبا، للحفاظ على الهوية الديموغرافية لدول تجمع بروكسل من جانب، فضلًا عن تدارك الأوضاع الاقتصادية لدول القارة نتيجة الضغوط الاقتصادية التي فرضها تزايد عدد اللاجئين إلى تلك الدول التي بدأت تعاني من أوضاعًا اقتصادية ضاغطة فرضتها الحرب الروسية على أوكرانيا، بجانب برامج التمويلات الضخمة الأوروبية لكثير من المؤسسات والمنظمات الدولية المانحة والعاملة في المجال الإنساني، إذ بات من المهم أن تشترك دول أوروبا في شبكة حماية خاصة بها تمنحها القدرة على البقاء ومعالجة أثار تواجد اللاجئين على أراضيها والتهام هذا العدد الضخم مقدرات  أوروبا اقتصادًا وسياسة.

وعلى هذا الأساس استندت المفوضية الأوروبية في مشروعها الذي تقدمت به وحظيت به على أصوات الأغلبية بعد مناقشات استمرت 4 سنوات، على ضوابط داخل الميثاق تمنح أوروبا القدرة على إيجاد حائط صد أمام حركة اللاجئين إلى أوروبا، والتي تمثلت أبرز ملامحها في ضوابط يمكن إجمالها في بعض النقاط الأتية:

  1. تشديد سياسات الكتلة الأوروبية في منح اللاجئين قرار الحماية.
  2. إرسال المزيد من الوافدين إلى دول ثالثة تعالج طلباتهم
  3. ملاحقة اللاجئين المقيمين في أوروبا أمنيًا وترحيلهم خارج البلاد
  4. تُجبر التشريعات كل الدول الأعضاء على تقاسم مسؤولية الوافدين إليها.
  5. ستحتجز مراكز حدودية مستحدثة المهاجرين غير النظاميين أثناء درس طلبات لجوئهم
  6. تُسرّع كذلك عمليات ترحيل المرفوضين من دخول الاتحاد الأوروبي.
  7. وبالتأكيد من شأن تلك التشريعات أن تمكن الاتحاد الأوروبي من التشدد في سياسة استقبال اللاجئين على أراضيها، خاصة وأن هناك ضغوط كبيرة من جانب أحزاب اليمين المتطرف التي تصاعد نجمها مؤخرًا، والتي حملت أجندتها صيحات مدوية وبرامج فعالة لتنفيذ تشريعات ميثاق اللجوء والهجرة الأوروبي، والذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في شهر يونيو من العام المقبل 2026، وسط ترقب من اللاجئين، وبداية تحركات أوروبية لتفعيل الميثاق بمجرد سريانه ودخوله حيز التنفيذ، إذ بدأت عدة دول في ترحيل اللاجئين منها، خاصة ممن تورطوا في جرائم جنائية كالطعن والدهس وغيرها من الجرائم التي تورط فيها عدد من اللاجئين القادمين من أفغانستان أو سوريا أو غيرها من الدول.

تنسيق أوروبي

إنه على الرغم من وجود بعض الأصوات التي رفضت تمرير تلك الحزمة الكبيرة من التشريعات الرافضة لدخول اللاجئين إلى أوروبا مثل المجر وبولندا، حيث صوتا برفض تمرير الميثاق، علاوة على وجود بعض الدول الأخرى التي ترفض بعض القوانين فقط لكنها توافق في المجمل على الميثاق مثل النمسا وسلوفاكيا، إلا أن تمرير الميثاق بشكل نهائي يلزم دول أوروبا بحتمية التنسيق فيما بينهم من أجل ضمان ألا تكون إحدى الدول الرافضة للميثاق مسرحًا لاستقبال اللاجئين، في ظل أن بقية دول القارة ستكون طاردة لهم، وهو ما يستوجب اليقظة الأمنية الفائقة لكل دول القارة العجوز تجاه تنفيذ بنود الميثاق بحذافيرها تجنبًا لعواقب وخيمة.

 

وتشير بنود الميثاق إلى أن دول أوروبا مجتمعة ستعمل على إنشاء مراكز على حدودها، حيث تكون تلك المراكز بمثابة مراكز احتجاز للاجئين أو المهاجرين غير الشرعيين خلال فترة دراسة طلبات لجوئهم، وفي الوقت نفسه تعمل دول أوروبا في الداخل على 3 أمور:

أولًا: دراسة حالات طلبات اللجوء والتي غالبًا ما سترفض أغلبها

ثانيًا: ستُسرّع تلك الدول من عمليات ترحيل اللاجئين المتواجدين في الداخل وكذا المرفوضين من دخول الاتحاد الأوروبي، والمتواجدين في مراكز الاحتجاز الحدودية.

ثالثًا: سيسمح الميثاق لدول أوروبا بعقد اتفاقيات منفردة مع دول العبور والمنشأ بحيث تحد تلك الدول من تحركات اللاجئين قبل وصولهم إلى حدود الاتحاد، حيث تم توقيع مثل تلك الاتفاقيات مع دول شمال أفريقا كتونس وموريتانيا ومصر، بجانب اتفاقيات أخرى تعقدها دول أوروبا مع بعضها البعض كالاتفاق الذي أبرم بين إيطاليا وألبانيا، بحيث تستقبل الأخيرة اللاجئين الذين ينقذهم خفر السواحل الإيطالي في مياة إيطاليا لحين دراسة طلبات لجوئهم إلى إيطاليا والبت فيها بشكل نهائي. لكن على جانب آخر تسعى دول أوروبية أخرى مثل الدنمارك وجمهورية تشيكيا إلى عقد اتفاقيات مع دول خارج الاتحاد الأوروبي لاستقبال اللاجئين فيها، تجنبًا لحدوث تكدس على حدود دول الاتحاد خلال فترة دراسة الطلبات.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الميثاق يتشدد في إجراءاته تجاه النظر في حصول اللاجئ على حق الإقامة أو الحماية، أو الموافقة أصلًا على قبوله لدى الدولة المضيف، حيث وضع الميثاق قواعد محددة لرفض طلب اللجوء للاجئ المتقدم، وهي القواعد التي تستند على الأمور الإجرائية الأتية:

  • يرفض طلب اللجوء في حال قدوم اللاجئ عبر دولة ثالثة آمنة
  • يرفض طلب اللجوء في حال حصول اللاجئ على حماية من دولة أخرى بالاتحاد الأوروبي.
  • يرفض طلب اللجوء في حال حصول اللاجئ على حق اللجوء في دولة خارج التكتل.
  • يرفض طلب اللجوء في حال تقديم عائلة اللاجئ طلب منفصل عنه.
  • يرفض طلب اللجوء في حال عدم إثبات الشخص أي خطر يقع عليه ويعزز طلب لجوئه.

وعلى الرغم من وجاهة هذه القيود التي وضعها ميثاق الهجرة واللجوء من أجل رفض عدد كبير من طلبات اللجوء، إلا أنها تفضي في النهاية إلى وضع قيود مشددة على قبول السلطات الأوروبية طلبات اللجوء، وهو ما قد يخفض من نسب وأعداد اللاجئين إلى دول أوروبا بشكل كبير، بعد تسجيل الدول الأوروبية لأعداد متزايدة من اللاجئين على أراضيها سواء ممن دخلوا بالفعل أو ممن تقدموا بطلبات حماية للحصول على اللجوء فيما بعد.

خاتمة

بلا شك إن بعض الإجراءات الصارمة التي وضعتها دول الاتحاد الأوروبي، ولجوءها إلى اتخاذ تدابير منفردة كملاحقة اللاجئين أمنيًا أو تهريبهم عبر الحدود إلى دول ومناطق أخرى، كان من شأنه أن يقلل من تزايد عدد اللاجئين في عدة دول أوروبية، فما بالنا إذا تم تطبيق ميثاق الهجرة واللجوء بحذافيره، على الرغم من وجود أصوات تطلب تعديل الميثاق، إلا أن تعديل سيكون في تقديرنا في مرحلة لاحقة على تطبيقه واختباره أولًا ورصد طبيعة المخاوف التي قد تنتج عن تطبيق بنود الميثاق على اللاجئين وأوضاعهم الإنسانية.

لكن في كل الأحوال فإنه بالرغم من عدم دخول الميثاق حيز التنفيذ، إلا أن التوجه الأوروبي الضاغط في سبيل إيقاف تدفق الهجرة إلى التكتل، نجح بشكل كبير في خفض أعداد اللاجئين، وهو ما يبشر بنجاح الميثاق في تنفيذ المهمة التي وضع من أجلها، إذ يمكن الاستناد إلى الإحصائيات الصادرة عن وكالة حماية الحدود الأوروبية ” فرونتكس”، التي تشير إلى تسجيل أكبر انخفاض في تدفق اللاجئين إلى أوروبا بمعدل 30% منذ يناير الماضي حتى إبريل الماضي، إذ كشف المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة ماجنوس برونر أن سلطات عدة مناطق أوروبية سجلت أكبر نسبة تراجع في أعداد اللاجئين، وتم تسجيل أكبر نسبة تراجع على طريق غرب البلقان، حيث سجلت السلطات هناك حوالي 3100 حالة فقط بانخفاض كبير بلغت نسبته 58%، كما تم تسجيل انخفاض أخر للاجئين عبر طريق وسط البحر المتوسط من شمال إفريقيا نحو إيطاليا، حيث انخفضت حالات العبور غير القانونية بنسبة 3%، وهو ما يشير إلى أن تطبيق الميثاق قد ينجح بشكل كبير في الحد من تدفق اللاجئين إلى الأراضي الأوروبية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *