الحلقة الأولى.. قراءة في نصوص ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي

بات ما يعرف باسم “ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي” الشغل الشاغل لدول أوروبا كلها، لعدة أسباب أبرزها تقاطع ذلك الملف بشكل مباشر بعدة ملفات أخرى وفي القلب منها الحرب الروسية الأوكرانية والأحداث التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط بعد عام 2011، وهما الحدثين اللذان تسببا في زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا، وهو ما دعا دول تكتل بروكسل إلى تبني مشروع قانون يستهدف وقف تدفق اللاجئين إلى أراضي أوروبا. وإزاء ذلك بدأت المفوضية الأوروبية في تدارك الموقف سريعًا وتقدمت بمشروع القانون عام 2020 بهدف إصلاح التشريعات الأوروبية المنظمة لعملية استقبال اللاجئين، والتي رأت فيها المفوضية أنها تشريعات فشلت في تفكيك أزمة اللجوء الكبرى عام 2015، وما بعدها.
نظرة تاريخية
صادق البرلمان الأوروبي في العاشر من أبريل من العام المنصرم 2024 على ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي، الذي سيكون حلًا بديلًا لقصور ما يعرف باسم “لائحة دبلن”، التي أقرت عام 1990 والتي بموجبها كانت تنظم مسألة دخول الاجئين إلى دول أوروبا. وعلى الرغم من أن تلك اللائحة أجرييت عليها عدة تعديلات في عام 2003 و2013، إلا أن الأحداث التي أعقبت الربيع العربي في الشرق الأوسط كشفت عوار تلك اللائحة، خصة مع أزمة اللجوء الكبرى عام 2015، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية لأن تقدم لائحة مشروع ميثاق اللجوء إلى البرلمان الأوروبي للتصويت عليه.
وقد لجأت المفوضية إلى تقديم ذلك الميثاق للمناقشة والبت فيه كمحاولة لتعزيز الضوابط الأمنية على حدود دول أوروبا، في ظظل تصاعد معدلات الهجرة إلى تلك الدول، إذ رصدت دول أوروبا ارتفاعًا كبيرًا في طلبات اللجوء إلى دول أوروبا، إذ وصلت الطلبات إلى مستويات قياسية في ظل تسجيل 1.14 مليون طلب لجوء إلى أوروبا في عام 2023، وذلك طبقًا لإحصائيات صادرة عن وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية “فرونتكس”.
وعلى الرغم من تقدم المفوضية الأوروبية بمشروع “الميثاق” إلى البرلمان الأوروبي في عام 2020، إلا أن المناقشات جرت في أروقة البرلمان الأوروبي بشأن بنود الميثاق، خاصة مع بروز أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا والتي تتتسق أجندتها مع الميثاق، وترى فيه محاولة للحفاظ على الهوية الأوروبية، ومواجهة التراجع الديمُغرافي في بلدان أوروبا. فضلًا عن تضارب المصالح بين دول جنوب أوروبا كإسبانيا، وإيطاليا، واليونان، ودول شمال القارة كفرنسا، وألمانيا، والدانمارك.
الشكل العام للميثاق وأبرز بنوده
يتألف الميثاق من عشرة ملفات تشريعية، صُممت هذه الملفات لتكون بمثابة نظام متكامل، تتكون من 6 لوائح وهي:
- لائحة يوروداك التي تقدم نظام تكنولوجيا معلومات واسع النطاق لتخزين ومعالجة بيانات طالبي اللجوء، والتي سيتم استخدامها أيضًا لتنفيذ إطار إعادة التوطين في الاتحاد وتوجيه الحماية المؤقتة.
- لائحة الفحص التي تحدد الإجراء الأولي الذي يتعين على المواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي الذين يصلون بشكل غير نظامي إلى الاتحاد الأوروبي أن يواجهوه.
- لائحة إجراءات اللجوء المُعدّلة (APR) التي تُحدد مصير الأشخاص عند تقديمهم طلب اللجوء. إلى جانب لائحة إجراءات العودة عبر الحدود، كما أنه ينشئ إجراءات إلزامية لكل من عمليات اللجوء والعودة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
- لائحة إدارة اللجوء والهجرة (AMMR) التي تنص على تدابير التضامن بين الدول الأعضاء ونظام لتحديد الدولة المسؤولة عن معالجة طلب اللجوء.
- لائحة الأزمات المنصوص عليها في ميثاق الهجرة واللجوء والتتي ستفرض قواعد صارمة سيتم تفعيلها لمنع التدفق المفاجئ والجماعي للاجئين إذا تعرضوا لما ذكر في الميثاق باسم “القوة القاهرة”، وهو مفهوم يشير إلى تعرض المهاجر إلى البحث عن الحماية الدولية من خلال مراكز اللجوء نتيجة ظروف قاهرة دفعته لذلك. وفي شرح تلك النقطة يمكن الإشارة إلى أزمة عرفت باسم “استغلال الهجرة” حدثت في بيلاروسيا عام 2021، إذ احتشد لاجئون على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا مطالبين بالدخول إلى الدولتين، ووقتها منعتهم بولندا من الدخول وحشدت العسكرين على الحدود لإحباط دخول المهاجرين، واتهمت جارتها بيلاروسيا بطر المهاجرين قسرًا إلى أراضيها، وهو ما حاول الميثاق معالجته من خلال لائحته.
رد فعل أوروبي سلبي
وقد كان لميثاق الهجرة واللجوء صدى كبير في أوروبا، حيث علقت العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية على الميثاق، إذ أكد المرصد الأورومتوسطي أن الميثاق يتسق مع جهود أوروبا لنقل المسؤولية عن حماية اللاجئين إلى بلدان ثالثة، وهو ما كشفته المفاوضات التي جرت بين دول أوروبية أبرزها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مع دول شمال أفريقيا ودول في وسط وغرب أفريقيا مثل ورواندا وأوغندا لاستقبال اللاجئين من دول أوروبا وأمريكا فيما يعرف باسم “البلدان الثالثة”. حيث وقعت بريطانيا مع رواندا ذلك الاتفاق، فيما وقعت هولندا مع أوغندا الاتفاق نفسه، بجانب مفاوضات بين الولايات المتحدة وليبيا للشأن ذاته.
وشدد المرصد على ضرورة وجود ميثاق منسق ومستدام يكون محوره الإنسان بدلًا من نظام هجرة أوروبي يستبدل المسؤولية الواجبة بالمال لدفع الممهاجرين إلى مناطق أخرى، كما شدد المرصد على ضرورة وجود إطار عمل مشترك ومتفق عليه بين دول أوروبا يستند على ما جاء في اتفاقية اللاجئين الموقعة عام 195، وبالتحديد في مادتها رقم 78 والتي تعطي الحق للمهاجر في طلب الحماية.
كما رفضت عدة دول أوروبية الالتزام والانصياع لما جاء في ميثاق الهجرة اللجوء الأوربي، باعتباره ينتهك حقوق الإنسان، حيث عارضت دول مجموعة “فيشغراد” والتي تتكون من بولندا والمجر وسلوفاكيا والتشيك، وهي مجموعة الدول التي تمثل تحالفا سياسيا وثقافيا دخل في الاتحاد الأوروبي عام 2004.
كما نقل موقع جمعية ” migreurop” – وهي شبكة أوروبية أفريقية من جمعيات حقوق الإنسان والناشطين والباحثين، والتي تهدف إلى توثيق وإدانة سياسات الهجرة الأوروبية وما تفرضه من ضغوط على الظروف المعيشية المهاجرين – 50 توقيعا لمنظمات أوروبية ترفض سياسات اللجوء الواردة في ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي باعتباره يسمح بالانتهاكات في جميع دول أوروبا بحق اللاجئين، بما في ذلك ممارسة العنصرية، واحتجاجات رسميةة على إدماجهم في العمل في دول أوروبا.
يضاف إلى ذلك موقف منظمة العفو الدولية الرافضة للميثاق والذي اعتبرت أنه سيؤدي إلى “تفاقم معاناة اللاجئين، وأكدت أن الميثاق سيسمح للدول الأعضاء في الاتحاد بتوقيف العمل بمجموعة كبيرة من قوانين اللجوء الأوروبية، وهو ما يعد خرقًا للالتزامات الدولية المتعلقة باللاجئين وحقوق الإنسان. كما انضمت مؤسسة Sea-Watch للإنقاذ البحري إلى الموقف الرافض للميثاق، والتي اعتبرته أنه سيؤدي إلى خسائر في الأرواح بسبب تزايد معدلات اللاجئي الذين يسافرون إلى أوروبا عبر البحر.
موقف أوروبي داعم
لكن بالرغم من ذلك الموقف السلبي تجاه الميثاق، إلا أن الميثاق تمت الموافقة عليه بهامش بسيط، حيث تم إقراره بأغلبية 300 صوت مؤيد في مقابل 270 صوت معارض، وهو ما يعطي مؤشرًا على نجاح أحزاب اليمين المتطرف الداعمة للميثاق بشكل كبير ففي الترويج للميثاق حتى إقراره.
وفي هذا الإطار دافع المستشار الألماني السابق أولاف شولتز على منصة “إكس” عن الميثاق مؤكدًا أنه يشكل “منعطفاً تاريخياً ويهدف لتنظيم استجابة أوروبية في حال تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي”، فيما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن: “هذا قرار يغير قواعد اللعبة بحق ويسمح لنا بدفع المفاوضات للأمام”.
كما أيدت الميثاق وزيرة الهجرة السويدية ماريا مالمر ستينرجارد حيث قالت: “أنا سعيدة للغاية لأن الدول الأعضاء اتفقت الآن على اللوائح التنظيمية للأزمات، وهو جزء مهم في اتفاق الهجرة واللجوء”. أما وزير الداخلية الإسباني فرناندو جراندي مارلاسكا قال إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه “يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام”.
خاتمة
يمكن القول إن ميثاق الهجرة واللجوء، على الرغم من إقراره إلا أنه أقر بنسبة تتقارب مع نسبة رفضه، وهو ما يضع احتمالات لضرورة تعديله في مراحل لاحقة خاصة في ظل رفض كبير منن جانب كثير من المنظمات الدولية وبعض الحكومات الأوروبية، إلا أن بنود الميثاق تحقق المرجو منها بسبب صرامتها وشدتها في التعامل مع اللاجئين، غير أنها يغلب عليها الطابع الأمني المتشدد الذي تسبب في رد فعل سلبي من جانب المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، وهي التي من المتوقع أن تضغط من أجل إعادة النظر مرة اخرى في الميثاق ممستقبلًا، إذا ما سجلت حالات وفيات أو ما شابه خلال عمليات الهجرة أو نقل المهاجرين إلى دول ثالثة، أو حتى تعامل أمني صارم ضد اللاجئين في مراكز الاحتجاز الحدودية التي ستشهد بلا شك تعامل غير أدمي مع اللاجئين.