الحق في الجنسية .. جدل ال 10 سنوات

د. جمال حسين
ارتفعت خلال الآونة الاخيرة مخاوف المهاجرين في كل من بريطانيا وهولندا بسبب نبرة الخطاب الشعبوي اليميني الذي استهدفهم بضراوة وألصق بهم تهم وشيطنتهم امام الشارع مصورهم ككائنات قادمة للاستيلاء على خيرات البلاد وانهم هم السبب في كل المشكلات الاقتصادية والامنية والاجتماعية ليس هذا فقط، بل ان هؤلاء المهاجرين يرغبون في تغيير البنية الثقافية للبلاد وقد ادي ذلك الي الدفع بإصدار عدد من القوانين ولعل من أبرز هذه القوانين هو القانون المتعلق بالحق في الحصول على الاقامة الدائمة ومن ثم الجنسية.
الحديث عن هذا القانون بإصداره في بريطانيا والسير في إجراءات إصداره في هولندا أحدث حالة من الخوف لدى المهاجرين، ولكن هناك الكثير من المعطيات والاسئلة لابد من التحدث عنها قبل أن نقر بنفاذ مثل هذه القوانين الصادرة بناء على توجه سياسي مؤقت قبل ان تكون صادرة لحاجات اقتصادية او انسانية فعليه ولهذا فهناك الكثير من اوجه الطعن الموجهة لهذه القوانين .
هل المهاجرين عبئا اقتصاديا وطردهم يحل المعضلة الاقتصادية
المهاجرون واللاجئون لم يكونوا عبئًا كما يحاول الخطاب الشعبوي تصويرهم، بل شكلوا رافعة مهمة في الاقتصاد والمجتمع.
في بريطانيا، تشير أرقام مكتب الإحصاء الوطني (ONS) إلى أن ما يقارب ١٨٪ من العاملين في قطاع الصحة هم من خلفيات مهاجرة، وأكثر من ٢٥٪ من الأطباء الجدد في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) جاؤوا من خارج بريطانيا. كما أن المهاجرين أسهموا بحوالي ١٦٪ من إجمالي الناتج المحلي البريطاني خلال العقد الأخير.
أما في هولندا، فوفقًا لإحصاءات المكتب المركزي للإحصاء (CBS)، فإن المهاجرين يشكلون حوالي ١٣٪ من القوى العاملة، وتقدّر مساهماتهم في الاقتصاد بنحو ١١٪ من إجمالي الناتج المحلي. علاوة على ذلك، هناك حضور لافت للمهاجرين في القطاعات الحيوية مثل النقل، الزراعة، والرعاية الاجتماعية. هذه الأرقام لا تعكس فقط مساهمة اقتصادية، بل أيضًا اندماجًا اجتماعيًا وثقافيًا، حيث أصبح المهاجرون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الأوروبي.
النظام القانوني البريطاني والهولندي
النظام البريطاني لا يقوم على دستور مكتوب، بل على “الدستور غير المدون” المستند إلى مجموعة من القوانين والسوابق القضائية والمبادئ العرفية. ورغم ذلك، فإن حقوق الأفراد محمية بموجب قانون حقوق الإنسان لعام 1998 ومواثيق أوروبية مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
القانون البريطاني المتعلق بالإقامة الدائمة (Indefinite Leave to Remain – ILR) نص صراحة بعد التعديل الأخير على أن:
“Applicants are required to complete a period of at least 10 years of continuous lawful residence in the UK before being eligible to apply for settlement. This requirement applies to all applicants regardless of when they first entered the UK or obtained temporary residence.”
الترجمة:
“يتعين على المتقدمين استكمال فترة لا تقل عن عشر سنوات من الإقامة القانونية المتواصلة في المملكة المتحدة قبل أن يكونوا مؤهلين للتقدم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة. يسري هذا الشرط على جميع المتقدمين بغض النظر عن تاريخ دخولهم المملكة المتحدة أو حصولهم على إقامة مؤقتة.”
هذا النص القانوني الذي تم إصداره و هو ليس نص مجرد وإنما يقضي علي حق اصيل و ينهي احلام الكثيرين ويتركهم للمجهول و بالطبع مثلما صدر هذا القانون دون مراعاة لمن كان موجود سابقا فان هذا لا يمنع من صدور قانون آخر يقضي علي اي حق للمهاجر حتي في المعاملة الانسانية ولا شك ان صدور هذا القانون اتي نتيجة لخطاب شعبوي تعبئوي ملي بالمغالطات التي تصور المهاجرين واللاجئين بصورة اعداء مسببين في المشاكل الاقتصادية وذلك للتغطية على الفشل الإداري الذي مكن من تنامي ثروات الاقلية في المقابل اضطهاد الطبقة المتوسطة والفقيرة .
وبالطبع حاز هذا القانون على الأغلبية البرلمانية المطلوبة ورضخت الأحزاب السياسية حتى الممانعة والتي تعلو صوت الحقوق لهذا الصوت النشاز دون إدراك لتأثيره .
السؤال الان هل هذا القانون يمكن ان ينفذ؟
هناك الكثير من الدفوع القانونية التي يمكن ان تعرقل قانون تمييزي
- عدم المساواة: المتضررون من القانون يمكنهم الدفع بأن تطبيقه بأثر فوري على من بدأوا بالفعل مسار الخمس سنوات يعد إخلالًا بمبدأ المساواة والعدالة الإجرائية.
- التوقعات المشروعة (Legitimate Expectation): الذين بدأوا رحلتهم القانونية على أساس شرط الخمس سنوات يملكون “توقعًا مشروعًا” بأن الدولة ستفي بوعدها السابق بأن يحصلوا على الحق في الاستقرار.
- التعارض مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان: المادة 8 من الاتفاقية (الحق في الحياة الأسرية) يمكن أن تكون سندًا للطعن في حالات معينة – وهي حالات اللجوء.
الوضع القانوني في هولندا
على خلاف بريطانيا، فإن هولندا تمتلك دستورًا مكتوبًا يكرس الحقوق الأساسية، إضافة إلى خضوعها للقانون الأوروبي مباشرة. التعديلات المقترحة في هولندا بخصوص تمديد المدة للإقامة الدائمة والجنسية لم تدخل حيّز التنفيذ الكامل بعد، لكنها أثارت جدلًا واسعًا.
النصوص الأوروبية، مثل المادة 34 من الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية، تضمن الحق في الحماية الاجتماعية، بينما المادة 21 تحظر التمييز. كذلك، المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تظل سلاحًا قانونيًا للطعن في أي تعديل يُعتبر مجحفًا بحق المهاجرين الذين قطعوا شوطًا كبيرًا نحو الاندماج.
أوجه الطعن القانوني في هولندا
الوضع القانوني بهولندا يعتبر اقل تعقيدا من بريطانيا وبالطبع الضمانات الدستورية الواضحة تشكل سند اضافي يشكل وجه من أوجه الطعن على القانون المزمع إصداره وتطبيقه
- مبدأ عدم الرجعية: تطبيق القوانين الجديدة على أوضاع قانونية سابقة يُعد انتهاكًا لمبدأ قانوني راسخ في النظام الدستوري الهولندي.
- التعارض مع الالتزامات الأوروبية: محكمة العدل الأوروبية سبق أن قضت في قضايا مشابهة بعدم جواز اتخاذ تدابير تُثقل كاهل الأجانب بشكل مبالغ فيه.
- المساس بمبدأ الاندماج الاجتماعي: إذ أن تمديد المدة يعكس رسالة سلبية ويضعف من فرص مشاركة المهاجرين في الحياة العامة.
إلى كل لاجئ ومهاجر في بريطانيا أو هولندا:
لا تفقدوا الأمل، ولا تسمحوا لدوامة القوانين والمزايدات السياسية أن تنال من عزيمتكم. لقد مررتم بتجارب قاسية، عبرتم البحار والحدود، تحملتم الغربة والفقد، و ضحيتم بالكثير فقط من أجل أن تجدوا وطنًا آخر يمنحكم الأمان. أنتم اليوم أمام تحدٍ جديد، لكنه ليس أقسى من تحدياتكم السابقة. لا تدعوا هذه التعديلات القانونية تهزكم أو تفت في عضدكم. مارسوا حقكم في الطعن، استخدموا أدوات القانون، فأنتم لم تأتوا إلى هنا صدفة، بل أنتم جزء من نسيج هذه المجتمعات.
لقد تخليتم عن وطنكم الأم في سبيل حياة كريمة، ولن يقوى أي قانون على محو مساهماتكم أو إنكار وجودكم. تذكروا دومًا: الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع، والعدل لا يتحقق بالصمت، بل بالمطالبة به. فلتكن أصواتكم حاضرة، وحقوقكم مصانة، وإصراركم أقوى من أي خطاب سياسي عابر

 
 
 


