المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

المركز الأوروبي لقياس الرأي والدراسات الاستراتيجية

الرئيسية / الاقتصاد والأمن: كيف أصبحت دول أوروبا مطمع للمهاجرين؟

الاقتصاد والأمن: كيف أصبحت دول أوروبا مطمع للمهاجرين؟

الاقتصاد والأمن: كيف أصبحت دول أوروبا مطمع للمهاجرين؟

دأب المهاجرون من المناطق العربية وغيرها على توجيه أنظارهم صوب دول أوروبا للحصول على امتيازات الإقامة واللجوء في ظل ما تمر به الدول العربية من صراعات وحروب، خاصة بعد أحداث الربيع العربي وقبلها أيضًا، إذ لجأ المهاجرون إلى دول أوروبا لضمان مستقبل أفضل ولتحسين ظروف معيشتهم، فيما لجأوا أيضًا لنفس الدول بعد أحداث الربيع العربي حفاظًا على حياتهم بعد الأحداث الدموية التي شهدتها دول مثل سوريا والعراق واليمن وفلسطين والسودان وغيرها من الدول التي شهدت صراعات أهلية وحروبًا تسببت في تآكل رصيد الأمن في تلك الدول شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا.

 

عوامل الجذب

هناك عدة عوامل كانت بمثابة عوامل جذب للمهاجرين إلى دولًا أوروبية بعينها، وأسهمت تلك العوامل في زيادة تدفق اللاجئين على مناطق عدة في “القارة العجوز” التي سميت بذلك الاسم نظرًا لزيادة أعداد كبار السن بها وقلة عدد الشباب، وقد جاءت تلك العوامل على النحو التالي:

 

1- منظومة الأمن الأوروبي

تمثل منظومة الأمن الداخلي في أوروبا أحد عوامل جذب المهاجرين إليها، إذ استند تحليل صادر عن معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، وهو المعهد المعني برصد أكثر الدول أمانا في العالم بشكل سنوي عن صدار دول القارة العجوز في مؤشر الأمن العالمي، على الرغم من تدني متوسط ​​مستوى السلام في العالم بنسبة 0.42%، إلا أن دول أوروبا احتفظت بقدرتها على تحقيق السلام الداخلي للمواطنين والمقيمين ما جعلها وجهة ملائمة للاجئين من دول النزاعات والصراعات.

كما استند مؤشر الأمن لمعهد الاقتصاد والسلام على عدة محددات يقاس عليها الأمن في دول أوروبا أو غيرها وهي: المستوى الذي ثقف عنده سلامة وأمن المجتمع، بجانب طبيعة وجود النزاعات الداخلية في تلك الدول وأبرزها النزاعات الأهلية والصراعات المسلحة، وانتهاء بطبيعة عسكرة الاقتصادة وتخصيص ميزانيات عالية للتسلح داخليًا وخارجيًا.

2- الاقتصاد المستقر

تزداد موجات الهجرة دائمًا من بلدان الاقتصادات المضطربة إلى نظيرتها المستقرة، أو من اقتصادات الأسواق النامية إلى بلدان الاقتصادات المتقدمة، في محاولة لتجاوز أزمة فارق الدخل بين بلدان منابع الهجرة والدول المستقبلة، لكن في كل الأحوال تمثل قارة أوروبا إحدى أكثر الاقتصادات استقرارًا في العالم بالرغم من الإحصائيات التي تحدثت عن ركود كبير في الاقتصاد الأوروبي خلال السنوات القليلة الماضية بفعل أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لكن في كل الأحوال تقاس قوة الاقتصاد في أي دولة بمدى ضخامة الناتج المحلي الإجمالي والذي يقاس بشكل سنوى ويعبر عن حجم اقتصاد الدولة وحصتها من الاقتصاد العالمي.

وقد جاءت ألمانيا على رأس دول القارة العجوز بإجمالي ناتج يصل إلى 4.7 تريليون دولار، تليها المملكة المتحدة بصافي ناتج محلي يبلغ 3.5 تريليون دولار، تليها فرنسا بإجمالي ناتج محلي يبلغ 3.1 تريليون دولار، ثم إيطاليا بناتج محلي يبلغ 2.3 تريليون دولار، ثم إسبانيا بمعدل 1.6 تريليون دولار وهولندا بإجمالي ناتج محلي يبلغ 1.01 تريليون دولا، ثم سويسرا بناتج محلي يبلغ 910 مليار دولار، وهي إحصائيات صادرة عن مؤشر Trading Economics الاقتصادي.

3- الاحتياج للأيدي العاملة

بلا شك تحتاج منظومة الإنتاج إلى أيدي عاملة ماهرة بمعدلات كبيرة تلائم رغبة دول أوروبا في تسجيل أعلى ناتج إجمالي، وهو ما دعا دولًا أوروبية لأن تستثمر في خطط جذب عدد أكبر من المهاجرين لمحاولة مواجهة التحديات التي تهدد استقرار اقتصادها، ومن أبرز تلك البلدان ألمانيا، التي تواجه أزمة تتعلق بزيادة معدلات الشيخوخة وعدد كبار السن في الدولة، ما دفع مؤسسات بحثية لأن تطلق إحصائيات تشير إلى أن الدولة صاحبة الاقتصاد الأقوى في أوروبا تحتاج إلى ما يقرب من 288 ألف عامل سنويًا حتى عام 2040، في محاولة لملئ الفجوة في سوق العمل، وذلك طبقًا لإحصائية صادرة عن مؤسسة “برتلسمان” الألمانية.

 

ويضاف إلى ذلك رغبة دولًا أوروبية أخرى في الاستفادة من الأيدي العاملة من الشباب المهاجر لتعزيز اقتصاده كما في حالة إيطاليا، إذ نشر اتحاد غرف التجارة الإيطالية تقديرا لاحتياج البلاد لمهارات لسد العجز في سوق العمل بما يقارب 1.4 مليون خلال الربع الأول من عام 2024 الجاري.

وفي هولندا كشفت تقديرات صادرة عن منظمة Intercompany Solutions ومقرها الرئيسي فيWorld Trade Center بقلب روتردام بهولندا عن قدرة المملكة على استيعاب الكثير من العاملين في مجالات معينة، إستنادًا على مؤشرات تؤكد احتلال هولندا المركز الرابع في مؤشر فوربس لأفضل البلدان للأعمال، والمرتبة الخامسة في تصنيف “التنافسية العالمية”، وهو ما يجعلها دولة من أكبر الاقتصادات في أوروبا والتي تحتاج إلى الأيدي العاملة الماهرة والمستثمرين الذين فروا من بلادهم للاستثمار في الخارج.

4- الشيخوخة وهبوط التعداد السكاني الأوروبي

استحقت قارة أوروبا لقب “القارة العجوز” بامتياز نظرًا لزيادة أعداد كبار السن على حساب تعداد الشباب مع انخفاض كبير في معدل المواليد، كما بات حوالي 21% من سكان دول الاتحاد تتجاوز أعمارهم الـ65 عاماً، وقد ترتفع إلى 30% بحلول عام 2050، طبقًا لإحصائية صادرة عن وكالة يوروستات.

وفي تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية قال إن عدم النظر في ضرورة استبدال العمال الأكبر سناً في بعض دول أوروبا بعمال أصغر سنًا سيؤدي إلى اختلالات في مجالات العمل وجودته، وهو ما نظرت إليه دولة مثل كندا بعين الاعتبار، إذ أعلنت الحكومة الكندية في عام 2022 عن خطة لاستقبال نصف مليون مهاجر حتى عام 2025، وهو ما جعل كندا مثلا تراهن على المهاجرين لسد الفجوة في اقتصادها بسبب تقدم عدد كبير من مواطنيها في السن.

 

في المحصلة العامة .. يمكن القول إن اللجوء والهجرة ليس هو الشر الأعظم والوبال الأكبر على دول أوروبا، حيث تسهم حركة الهجرة في تعزيز النمو الاقتصادي للدول المستضيفة للاجئين وخاصة الدول صاحبة الناتج الإجمالي المتعاظم والتي تتسم مواردها البشرية بالقلة العددية، وعلى العكس يمثل تراجع الهجرة وقلة الأيدي العاملة إلى أضرار كبيرة على الاقتصادات الأوروبية، حيث تشير تقديرات إلى أن المهاجرين قد يسهمون في تعزيز الناتج المحلي والإجمالي للدول المستقبلة للاجئين، كما يسهم دمج اللاجئين في سوق العمل الأجنبي والأوروبي على وجه التحديد في تحسين الاقتصاد للدول الطاردة للمهاجرين استنادًا إلى التحويلات التي يرسلها العمال المهاجرين في الدول الأجنبية إلى بلادهم الأصلية، وهي أحد الموارد التي تسهم في تعزيز اقتصاد الدول النامية، ولذلك جاءت دول أوروبا بناء على المحددات سالفة الذكر في طليعة دول العالم الجاذبة للمهاجرين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *